أطفال أم أشلاء؟

محمد فال معاوية

في غزة اليوم، تنهار الطفولة بين الركام والدمار. لم تعد هناك مدارس تحضن أحلام الأطفال، ولا حدائق تُسمع فيها ضحكات بريئة، فقط صدى الانفجارات وصرخات المحاصرين بين أطلال المنازل والشوارع. هؤلاء الأطفال الذين كانوا يحلمون باللعب والتعلم أصبحوا رموزًا لمعاناة إنسانية لا تُطاق. تتكسر أجسادهم قبل أن تُسحق أحلامهم، وحلّت الصور الصادمة مكان أصوات المرح والبراءة.

العنوان “أطفال أم أشلاء؟” صادم، لكنه يلخص الحقيقة التي يحاول البعض تجاهلها. إنه سؤال يطرق وجدان القارئ ليواجه الواقع بلا رتوش، بلا تبريرات سياسية، وبلا لغة دبلوماسية. الأطفال في غزة لا يحصلون على لحظة أمان، وفي كل لحظة قد يُسلبون أعمارهم، ومعها الإنسانية نفسها.

منذ بداية الحرب الأخيرة، قتل آلاف المدنيين، بينهم مئات الأطفال، وأصيب الكثيرون بجروح بالغة. المستشفيات مكتظة، الأدوية شحيحة، والملاجئ لم تعد قادرة على استقبال المزيد. المجتمع الدولي يراقب، أحيانًا يندد، وغالبًا يلتزم الصمت. أما الأطفال، فهم يدفعون الثمن الأكبر، ثمن نزاعات الكبار وأوهام القوة والسيطرة.

الصور القادمة من غزة ليست مجرد أرقام، بل نبض حياة يُقطع في مهدها. كل طفل يُقتل هو رسالة للعالم: الحروب لا تعرف الحدود، والمعاناة ليست مجرد إحصاء، بل وجع إنساني يتسلل إلى كل قلب حي. والسؤال الأهم: هل سينظر العالم إلى هؤلاء الأطفال بعين الرحمة، أم سيواصل التعامل معهم كأرقام في بيانات سياسية؟

اللغة الإنسانية هي ما تبقى لنا لمواجهة المأساة. الكلمات تستطيع أن تُعيد الطفل الذي فقدناه إلى الحياة ولو في خيالنا، وأن تمنح صرخة الألم معنى. علينا إعادة صياغة الحوار الدولي ليس حول مصالح الكبار فحسب، بل حول براءة الأطفال وحقهم في الحياة. غزة اليوم ليست مجرد مسرح سياسي، إنها مدرسة في الألم والحرمان، حيث الأطفال يختبرون أقصى درجات المعاناة قبل أن يعرفوا معنى الأمان.

على الصحافة، على الحكومات، وعلى المنظمات الإنسانية أن تتذكر أن الأطفال ليسوا أدوات سياسية. لا يمكن للسياسة أن تمحو دماء الطفولة، ولا يمكن للقوة العسكرية أن تمنح الحق في الإبادة. علينا حماية هؤلاء الأطفال، ليس بالكلام فحسب، بل بالعمل الفوري لإنقاذهم من الدمار المحيط بهم.

العنوان “أطفال أم أشلاء؟” ليس مجرد كلمات، إنه صرخة إنسانية. إنه يضع القارئ أمام الحقيقة الصادمة ويجعلنا جميعًا نختبر وجع أولئك الذين فقدوا حقهم في الطفولة. ربما يكون صادمًا، لكنه يعكس الواقع بلا رتوش، ويجعلنا نتساءل: هل نحن بشر حقًا إذا تجاهلنا معاناة هؤلاء الأطفال؟

غزة اليوم مرآة القسوة، وأطفالها صوت لن يخبو، مهما حاول البعض إغلاق أعينهم عن الحقيقة. لا يمكن لأمة أن تسمو بحقوق الإنسان إذا لم تبدأ بالاعتراف ببراءة الطفولة المحاصرة، والعمل بلا هوادة لإنقاذها.

زر الذهاب إلى الأعلى