غزة تحت الأنقاض: حملة هدم إسرائيلية تثير مخاوف من تهجير دائم

على مدى عقد من الزمن، ظل الفلسطيني شادي سلامة الريس، موظف في أحد البنوك، يسدد قرضًا عقاريًا بقيمة 93 ألف دولار لشقته في مبنى حديث شاهق الارتفاع بأحد الأحياء الراقية في مدينة غزة.
والآن يعيش هو وأسرته في فقر مدقع بعد فرارهم من ضربة إسرائيلية هدمت المبنى بالكامل، ليتحول إلى كومة أنقاض وسط سحابة من الدخان والغبار.
بداية حملة هدم المباني الشاهقة
يُعد الهجوم الذي وقع في 5 سبتمبر 2025 على برج مشتهى المكون من 16 طابقًا، بداية حملة هدم مكثفة نفذها الجيش الإسرائيلي، مستهدفًا المباني الشاهقة قبل الهجوم البري على قلب المدينة المكتظة بالسكان، والذي بدأ الأسبوع الماضي.
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هدم ما يصل إلى 20 برجا سكنيا في المدينة، وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن 50 “برجا للإرهابيين” جرى تدميرها. وتسببت الحملة في تشريد المئات من السكان، مع تدمير مناطق بالأحياء الشرقية والوسطى للمدينة مثل الزيتون والتفاح والشجاعية والشيخ الرضوان.
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي راجعتها رويترز الدمار الذي لحق بعشرات المباني منذ أغسطس، ما أثار مخاوف من أن يكون التدمير هدفه تهجير السكان بشكل دائم، وهو ما تتفق معه مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، التي اعتبرت مثل هذه الحملة “تطهيرًا عرقيًا”.
حياة الفلسطينيين تحت وابل القصف
قال الريس يوم الأربعاء الماضي: “بعمري ما تخيلت أن أترك مدينة غزة، لكن الانفجارات ما بتتوقف… لا أقدر أخاطر بأطفالي ولذلك أنا أجهز أغراضي للانتقال إلى الجنوب”، مؤكدًا تمسكه بالبقاء في القطاع مهما كانت الظروف.
وفي مايو 2025، توعد وزير المالية الإسرائيلي تسلئيل سموتريتش بأن معظم قطاع غزة سيُدمر بالكامل قريبًا، وسيُحشر سكانه في شريط ضيق قرب الحدود مع مصر.
إسرائيل أنذرت السكان المدنيين بالإخلاء أثناء الهجوم، وأغلقت معابر شمال غزة، مما أدى إلى تقليص الإمدادات الغذائية.
رد الجيش الإسرائيلي وحماس
قال المتحدث العسكري الإسرائيلي نداف شوشاني إن الجيش لا يتبع استراتيجية لتدمير غزة، وأن الهدف هو تدمير حماس واستعادة الرهائن. وأوضح أن حماس استخدمت المباني الشاهقة لمهاجمة القوات، وزرعت ألغامًا داخل الأبنية، وهو ما أدى إلى سقوط جنود إسرائيليين.
في المقابل، نفت حماس استخدام الأبراج السكنية لمهاجمة القوات الإسرائيلية. وأشار مصدران أمنيّان إسرائيليان إلى أن أهداف الجيش والسياسيين في إسرائيل لا تتوافق دائمًا، وأن أفكارًا مثل إخلاء مناطق لإعادة إعمارها لاحقًا تتعارض مع الأهداف العسكرية.
الرعب والخوف بعد أوامر الإخلاء
قبل الحرب، كان برج مشتهى يؤوي نحو 50 عائلة، لكن العدد ارتفع ثلاثة أضعاف بعد استقبال النازحين. تلقى السكان أوامر إخلاء سريعة، وأُجبروا على مغادرة الأبراج دون جوازات سفر أو بطاقات هوية.
ووثّق مقطع فيديو لرويترز انهيار البرج في حوالي ست ثوانٍ بعد قصفه، ما أدى إلى تصاعد الغبار والدخان وانتشار الحطام بين خيام النازحين الذين فروا مذعورين.
هدم المنازل في الضواحي
استعدادًا للهجوم البري، دمر الجيش ما يصل إلى 12 منزلا يوميًا في أحياء الزيتون والتفاح والشجاعية خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا أن أكثر من 65٪ من المباني في المدينة دمرت أو تضررت بشدة خلال الحرب.
أظهرت صور الأقمار الصناعية أضرارًا جسيمة لحقت بضواحي المدينة، فيما وثقت منظمة إيه.سي.إل.إي.دي أكثر من 170 عملية هدم منذ أوائل أغسطس، معظمها عبر تفجيرات محكومة.
التحذيرات الإنسانية والقانونية
قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أدلة تثبت أن الأبنية المستهدفة كانت أهدافًا عسكرية مشروعة، وإن تدمير المساكن والبنية التحتية المدنية يعد جريمة حرب.
وبحسب بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد دُمر أو تضرر نحو 80٪ من المباني في غزة منذ بدء الحرب، بما في ذلك 213 مستشفى و1029 مدرسة.
وحذرت مسؤولة السياسات في منظمة أوكسفام من أن إجبار الناس على النزوح سيؤدي إلى تفاقم الاكتظاظ السكاني في الجنوب بشكل مطرد.
خلفيات الصراع
تعتبر هذه المرحلة جزءًا من حرب إسرائيل على غزة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني، وشردت معظم السكان، وأدت إلى مجاعات متكررة. وبدأت الحرب بعد هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ما أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة، ولا يزال 48 رهينة في غزة.
لندن – اليوم ميديا