تساؤلات عن النفط السوري وانعدام الشفافية حول الإنتاج والتصدير

عدنان عبد الرزاق
ليس من ضربة موجعة للاقتصاد السوري أكثر من تحوّله من مصدر للنفط إلى مستورد. هذا إن لم نتوقف عند الخسائر الهائلة التي مني بها هذا القطاع خلال ثورة السوريين، والمقدّرة بنحو 115 مليار دولار، إضافة إلى تهديم حرب الأسد أهم القطاعات الاقتصادية، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على عصب الاقتصاد وأهم الموارد النفطية والغذائية والمائية.
ووفق الخبير الاقتصادي عدنان عبد الرزاق، فإن سوريا التي كانت تنتج أكثر من 380 ألف برميل نفط يوميًا وتصدّر نصفها خامًا، باتت اليوم تستورد أكثر من 200 ألف برميل يوميًا، ما بدّد الاحتياطي النقدي الأجنبي، وأخلّ بالميزان التجاري، وأضعف موارد الخزانة العامة.
النفط قبل الثورة… وأزمة الاستيراد
تشير تقارير سورية إلى أن النفط قبل الثورة عام 2011 كان يساهم بنحو 40% من عائدات الصادرات، و24% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 25% من موارد الموازنة العامة. لكن منذ سنوات، تعتمد سوريا على استيراد احتياجاتها النفطية عبر عقود دين أو مقايضة النفط بالغذاء، أو برهن مقدّرات البلاد لتأمين الحد الأدنى من الاستهلاك المحلي في النقل وتوليد الكهرباء، ما جعل السوريين يعيشون في عوز وحرمان، وارتبط اسمهم عالميًا بصفة “شعب الطوابير”.
عودة التصدير بعد 14 عامًا… لكن بأسئلة معلّقة
قصارى القول: عادت سوريا مؤخرًا، بعد توقف لنحو 14 عامًا، إلى خريطة مصدّري النفط عبر تصدير 600 ألف برميل من النفط الخام الثقيل، انطلقت من ميناء طرطوس على متن الناقلة اليونانية “نيسوس كريستيانا”. لكن هذه العودة تركت خلفها ثلاثة أسئلة رئيسية:
1. هوية الشركة المصدّرة
الشركة التي اشترت الشحنة، وهي “بي سيرف إنرجي”، غير معروفة في السوق، ولم يُسجَّل لها نشاط سابق سوى ارتباطها الحديث بشركة “بي بي إنرجي” (BB Energy)، ذات النشاط الدولي منذ ستينيات القرن الماضي.
2. وجهة الشحنة
لم تُكشف الوجهة النهائية للنفط السوري، ما أثار تكهنات بأن الشركة المحدثة تأسست خصيصًا لاستيراد النفط السوري، وربما عبر مكتب “بي بي إنرجي” في دبي (DMCC Gulf). بعض الآراء ترى أن هذه الخطوة قد تكون وسيلة لتجاوز المخاطر الائتمانية والقانونية، بينما تبقى الشفافية غائبة.
3. مصدر الكمية المصدّرة
السؤال الأهم: من أين جاءت سوريا بـ600 ألف برميل خام للتصدير، وهي لا تسيطر سوى على مناطق لا يتجاوز إنتاجها اليومي 20 ألف برميل؟ بينما يقدَّر إنتاج مناطق سيطرة “قسد” شمال شرق البلاد بنحو 80 ألف برميل يوميًا. كيف يمكن التوفيق بين الحاجة الملحة للاستيراد من جهة، وتصدير شحنات خام من جهة أخرى؟
رفع العقوبات الأميركية… بداية جديدة؟
بالتوازي مع تصدير الشحنة، دخلت سوريا طورًا جديدًا بعد قرار وزارة الخزانة الأميركية في 25 أغسطس/آب الماضي برفع العقوبات رسميًا ودخول الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيّز التنفيذ. ما يعني الخروج من العزلة الاقتصادية والقانونية، وفتح الباب أمام عودة سوريا إلى النشاط التجاري والمالي، بما في ذلك تصدير النفط بشكل معلن وشرعي.
الحاجة إلى الشفافية
الإفصاح عن واقع الثروات النفطية وعائداتها ضرورة قصوى لبناء الثقة قبل الحديث عن إعادة الإعمار. الاكتفاء بالتصريحات الغامضة يعيد السوريين إلى زمن مضى، حين كان النفط أحد أسرار “الدولة الأسدية”. فكيف يمكن لسوريا أن تبني مستقبلها إذا ما أحاط الغموض أولى شحنات التصدير بعد التحرير؟
تشير آخر إحصائية لمجلة الطاقة الأميركية المتخصصة (2015) إلى أن احتياطيات النفط المؤكدة في سوريا تبلغ 2.5 مليار برميل، بينما يبلغ احتياطي الغاز نحو 8.5 تريليونات متر مكعب، فضلًا عن احتمالات ضخمة في البحر المتوسط ومناطق ريف دمشق.
ملف الطاقة في سوريا يبقى مفتوحًا على احتمالات كثيرة، تبدأ باستعادة مناطق الإنتاج من “قسد” وفق الاتفاق المبرم في مارس الماضي، وقد تنتهي بعودة سوريا إلى موقعها كدولة مصدّرة كبرى كما في تسعينيات القرن الماضي. لكن الشرط الأساس يظل الشفافية مع الشعب، حتى لا يتكرر المشهد التاريخي حيث كانت الثروات النفطية تُدار في الخفاء وتُقدَّم على أنها “أسرار سيادية”.