باكستان والسعودية.. هل بدأ عصر المظلة النووية الإسلامية؟

أثار تصريح وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد أصف صدمة في الأوساط الإقليمية والدولية بعدما أعلن أن برنامج بلاده النووي “سيكون متاحاً” للسعودية إذا ما استدعت الضرورة. جاء ذلك عقب توقيع اتفاق دفاعي شامل بين الرياض وإسلام آباد قبل يومين، وفق ما أوردته صحيفة دون الباكستانية.

هذا الإعلان، الذي يتجاوز التعاون العسكري التقليدي، يضع العلاقة السعودية–الباكستانية في مستوى جديد تمامًا، إذ لمّح بوضوح إلى إمكانية استخدام القدرات النووية الباكستانية في حماية المملكة ودول المنطقة.

باب مفتوح أمام دول عربية أخرى

وعندما سُئل الوزير عما إذا كان من الممكن أن تنضم دول عربية أخرى إلى الاتفاق، أجاب: “لا أستطيع أن أجيب عن هذا بشكل مبكر، لكنني سأقول بالتأكيد إن الأبواب ليست مغلقة”.

وأكد أن من “الحق الأساسي للدول والشعوب المسلمة أن يدافعوا معاً عن منطقتهم وبلدانهم”، مشيرًا إلى أن الاتفاق لا يتضمن أي بند يستبعد دخول أطراف جديدة، ولا يمنع باكستان من توقيع اتفاقات مماثلة مع دول إضافية.

هذا التصريح يفتح الباب أمام تحالف دفاعي إقليمي موسع قد يشمل دول الخليج وربما دولًا عربية أخرى تبحث عن مظلة أمنية بديلة أو موازية للولايات المتحدة.

القدرات النووية الباكستانية في قلب الاتفاق

حين سُئل أصف مباشرة عمّا إذا كانت القدرات النووية الباكستانية مشمولة في الاتفاق، أجاب بوضوح: “ما نملكه من قدرات سيكون متاحاً تماماً بموجب هذا الميثاق”.

وأضاف أن باكستان “قوة نووية مسؤولة”، وأنها لم ترتكب أي انتهاكات نووية طوال تاريخها، حيث فتحت منشآتها للتفتيش الدولي، بخلاف إسرائيل التي “لم تسمح بأي تفتيش على منشآتها”.

هذا التصريح يُعد أول اعتراف صريح بأن المظلة النووية الباكستانية قد تمتد بشكل مباشر لحماية السعودية، وهو تطور غير مسبوق في العلاقات العسكرية بين الدولتين.

رد مشترك على أي عدوان

وفيما يتعلق بمبدأ الدفاع المشترك، قال أصف: “نعم، بالتأكيد. لا شك في ذلك”.

وأكد أن أي عدوان على السعودية أو باكستان، ومن أي جهة، سيُواجه برد مشترك. لكنه شدد على أن الاتفاق ليس “ميثاقاً عدوانياً”، بل يشبه في طبيعته ترتيبات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أي تحالف دفاعي يردع التهديدات ولا يسعى إلى الهجوم أو الهيمنة.

جذور التعاون العسكري بين الرياض وإسلام آباد

أوضح الوزير أن ما جرى مؤخرًا ليس سوى “امتداد رسمي لتعاون عسكري قائم منذ عقود”. فباكستان لطالما شاركت في تدريب القوات السعودية، وحافظت على وجود عسكري وجوي كبير داخل المملكة لسنوات طويلة.

وقال أصف: “أعتقد أن هذه العلاقة القائمة منذ سنوات أصبحت الآن أكثر تحديداً، وأن هذا التفاهم اتخذ شكلاً رسمياً من خلال اتفاق دفاعي. وهو أمر متجذر في تاريخ تعاوننا العسكري وعلاقتنا الأخوية مع السعودية”.

حماية المقدسات “واجب مقدس”

في سياق حديثه، شدد الوزير على أن حماية المواقع الإسلامية المقدسة في السعودية تمثل “واجباً مقدساً” بالنسبة لباكستان. هذا التصريح يعكس البعد الديني–الرمزي للتحالف، إذ ينظر الباكستانيون إلى الدفاع عن مكة والمدينة باعتباره مسؤولية قومية ودينية لا تقل عن حماية أراضيهم.

موقف الولايات المتحدة وتوازن القوى

وعندما سُئل عن موقف الولايات المتحدة من الاتفاق، أجاب أصف: “لا أرى مبرراً لإشراك أي طرف ثالث في هذا التفاهم”.

وأضاف أن الاتفاق دفاعي بحت، ولا يتضمن أي خطط لغزو أراضٍ أو مهاجمة أي طرف. لكنه أكد في الوقت نفسه أن باكستان تمارس حقها الطبيعي في عقد تحالفات دفاعية.

هذا الموقف يعكس رغبة باكستان والسعودية في تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، خاصة في ظل تراجع الثقة العربية في الضمانات الأمنية الأميركية بعد أحداث السنوات الأخيرة، ومنها الضربة الإسرائيلية على قطر رغم وجود قاعدة العديد الأميركية.

تحليل إستراتيجي: موازين جديدة في الشرق الأوسط

إن دخول القدرات النووية الباكستانية ضمن ترتيبات الدفاع مع السعودية يغيّر معادلات الأمن في المنطقة. فهذا الاتفاق يبعث برسائل متعددة:

  1. إلى إسرائيل: أن السعودية لن تبقى مكشوفة أمام التهديدات، وأن أي مغامرة عسكرية قد تستجلب ردًا إقليميًا مشتركًا.
  2. إلى إيران: أن الرياض تمتلك الآن غطاءً استراتيجيًا يوازي قدراتها العسكرية.
  3. إلى واشنطن: أن الرياض تبحث عن بدائل وتحالفات جديدة بعيدًا عن الضغط الأميركي بشأن التطبيع مع إسرائيل.
  4. إلى العالم العربي: أن هناك فرصة لتشكيل تحالف أمني–عسكري مستقل عن الغرب، يستند إلى القدرات الذاتية للدول الإسلامية.

يمثل الاتفاق السعودي–الباكستاني نقطة تحول إستراتيجية في الشرق الأوسط. فتحالف يقوم على المظلة النووية ليس مجرد تعاون عسكري، بل إعلان عن ولادة محور دفاعي جديد قادر على قلب موازين القوى في المنطقة.

وبينما تصف باكستان الاتفاق بأنه “غير عدواني”، إلا أن مجرد وجوده يكفي لتغيير حسابات إسرائيل وإيران وحتى الولايات المتحدة. والسؤال المطروح الآن: هل ستنضم دول عربية أخرى إلى هذه المظلة لتشكيل ناتو إسلامي فعلي يقود مستقبل الأمن العربي بعيدًا عن الهيمنة الغربية؟

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى