زيارة محمد بن زايد إلى القاهرة: شراكة استراتيجية ورسائل سياسية في توقيت حرج

تشهد المنطقة العربية واحدة من أكثر مراحلها حساسية وتعقيداً في العقود الأخيرة، حيث تتقاطع الأزمات من فلسطين إلى ليبيا مروراً بالبحر الأحمر. وفي هذا السياق، جاءت زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة المصرية القاهرة للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتبعث برسائل سياسية واضحة مفادها أن التنسيق الإماراتي–المصري يظل ركناً أساسياً في معادلة الاستقرار الإقليمي.

العلاقات الإماراتية–المصرية: شراكة راسخة تتجدد

العلاقات بين الإمارات ومصر وُصفت مراراً بـ”الاستراتيجية”، إذ تتجاوز البعد السياسي لتشمل مجالات اقتصادية وتجارية وتنموية. وتشير بيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية إلى أن حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر تجاوز 20 مليار دولار حتى عام 2025، ما يجعل الإمارات واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في السوق المصري.

هذه الزيارة جاءت لتعزيز هذا المسار، خصوصاً في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تتطلب شراكات عربية أوثق.

ملفات ساخنة على طاولة المباحثات

خلال اللقاء الذي عُقد في قصر الاتحادية بالقاهرة، ناقش الزعيمان جملة من القضايا الإقليمية، أبرزها:

  • القضية الفلسطينية، حيث أكد الطرفان أن “حل الدولتين” يمثل المسار الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل.
  • الوضع في غزة، مع التشديد على ضرورة وقف إطلاق النار وإيجاد تسوية دائمة للأزمة.
  • التعاون العربي المشترك، في ظل الظروف والتحديات الإقليمية غير المسبوقة.

دواعي الزيارة: قراءة تحليلية

1. رسالة دعم سياسي لمصر

تُعد هذه الزيارة رسالة دعم واضحة لمصر في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة، وتعكس التزام الإمارات بالوقوف إلى جانب القاهرة كحليف استراتيجي.

2. توحيد المواقف بشأن فلسطين

أشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى أن الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية من دول أوروبية عدة دفعت العواصم العربية الكبرى إلى تنسيق مواقفها بشكل أوثق، وهو ما تجسد في لقاء القاهرة.

3. تعزيز التعاون الاقتصادي

يرى خبراء في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الإمارات تنظر إلى تعزيز الشراكات الإقليمية كوسيلة لحماية استقرارها الاقتصادي، بينما ترى مصر في هذه العلاقة دعامة رئيسية لاقتصادها المتنوع.

4. إحياء العمل العربي المشترك

وفق تحليل لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، فإن الإمارات ومصر تُعدان من بين القوى العربية الأكثر قدرة على قيادة جهود إعادة تفعيل الأطر العربية المشتركة، خصوصاً في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة.

آراء غربية حول الشراكة الإماراتية–المصرية

  • كتب الباحث مايكل يونغ في مؤسسة كارنيغي أن “التقارب الإماراتي–المصري يمثل حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي، خصوصاً مع تراجع الانخراط الغربي في قضايا المنطقة”.
  • ورأت صحيفة الجارديان أن “هذا التنسيق يمنح القاهرة وأبوظبي ثقلاً موازناً أمام تنامي نفوذ قوى إقليمية مثل تركيا وإيران”.

أبعاد الزيارة في السياق الإقليمي

لا يمكن عزل زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى القاهرة عن السياق الإقليمي الأوسع. ففي وقت تقلص الولايات المتحدة من حضورها العسكري المباشر في الشرق الأوسط، تبرز العواصم الإقليمية مثل أبوظبي والقاهرة كقوى مبادرة لتولي مسؤوليات أكبر في الملفات الأمنية والسياسية.

كما أن التحديات الاقتصادية العالمية – من تداعيات الحرب في أوكرانيا إلى تقلبات أسعار الطاقة – تجعل من التعاون الثنائي أداة ضرورية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

الزيارة لم تكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل حملت رسائل سياسية واضحة تؤكد أن العلاقة الإماراتية–المصرية شراكة استراتيجية تسعى لمواجهة التحديات غير المسبوقة، من الأزمة في غزة إلى التوترات الإقليمية والدولية. ومع استمرار الأزمات، يظل الرهان على دور عربي مشترك تقوده قوى كبرى مثل الإمارات ومصر هو السبيل لضمان أمن واستقرار المنطقة.

أبوظبي – محمد فال معاوية

زر الذهاب إلى الأعلى