كيفَ فعلَها ترمب؟
عبد الرحمن الراشد
استطرادًا لمقالي السابق عن توجه «حماس» للقبول بخطة ترمب، نام العالم البارحة على موافقتها وقبول إسرائيل أيضًا. لم يكن التوصل إلى هذه النتيجة مهمةً سهلة، آخذين في الاعتبار تعقيدات الوضع الإقليمي والعسكري في القطاع.
نجح الرئيس الأميركي في إسكات المعارضين لخطته من القوى المختلفة، ولم يكتفِ بإقناعهم فقط. إسرائيل سبق أن عبّرت عن رفضها وجود سلطة فلسطينية في القطاع، وأنها ضد منح مقاتلي «حماس» حق البقاء، وتريد إعادة احتلاله منفردة.
كما عمل ترمب على استمالة الدول القريبة من «حماس»، مثل قطر وتركيا. أصلح العلاقة مع الدوحة، واستضاف الرئيس إردوغان، ووافق على منح تركيا مهلة إضافية لشراء غاز روسيا الأرخص، وفتح الباب أمام صفقة «F-35» العسكرية التي كانت الإدارات الأميركية السابقة تحظرها.
كما قام بتحييد روسيا، الخصم القادر على تبني كتلة معارضة للاتفاق المقترح، وأعطى ترمب اعتبارًا لدول مركزية مثل السعودية، بالاعتراف بمشروعها «حل الدولتين» وضمّه إلى بنود خطته لغزة ليكون الهدف الرئيسي. وحرص على تقديم ضمانات لـ«حماس» المحاصرة على سلامتها، وقياداتها ومقاتليها، إن قبلوا البقاء أو الخروج.
أنقرة والدوحة وموسكو أبقت جميعها أبوابها موصدة أمام قادة «حماس» ما لم يقبلوا باتفاق ترمب. وتجاوز الرئيس بوتين خلافاته مع واشنطن، وحرص على أن يعلن شخصيًا، وليس وزير خارجيته، عن تأييده لخطة ترمب، وكذلك دعم مشروع توني بلير لإدارة القطاع في المرحلة التالية. مع أن إشغال المعسكر الغربي بالحروب يخدم الروس في أوكرانيا، الحرب الرئيسية.
أما طهران، فجاءت تصريحاتها المعارضة أقل من المألوف هذه المرة. وبعد مقتل قائد «حماس»، إسماعيل هنية، العام الماضي، بات قادة الحركة يخشون من الذهاب إلى إيران.
في النهاية، لم يجد المتشددون داخل الحركة سوى القبول، وهذا لن يمنعهم لاحقًا من اللجوء إلى أساليب العرقلة، بالاعتراض والتعديل والمماطلة لإجراء بعض التعديلات وحفظ ماء الوجه.
النتيجة، وفقًا لخطة ترمب، أن «حماس» التي عرفناها طوال ثلاثين عامًا كجماعة مقاتلة ستنتهي، وربما تبقى حركة سياسية تنافس حركة فتح المهيمنة على قيادة السلطة الفلسطينية.
خلال سنتي الحرب، ظلّت «حماس» تلعب أرجوحة الموافقة وغير الموافقة، تريد الصفقة وإنهاء الحرب، ولا تريد مغادرة القطاع، إلى أن قرر ترمب أن يوقف الفريقين الراغبين في استمرار القتال: «حماس» وإسرائيل.
«حماس» هي آخر الواصلين. «حزب الله» سبقها ووقّع على اتفاق مع إسرائيل، وسلمت بقية الفصائل الفلسطينية سلاحها في لبنان، وتبخرت الميليشيات الفلسطينية والقومية المسلحة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
«حماس» هي الحجر الأخير في جدار جبهة الصمود والتصدي الذي ينهار ويخلق فراغًا كبيرًا في الحركة المسلحة، التي، ما لم تُعالج سياسيًا، ستعود بصفات وأسماء مختلفة. وهذا سيعيدنا إلى مشروع السعودية بـ«حل الدولتين» والاستفادة من وجود شخصية قوية وفاعلة هي ترمب.
لكن الأولوية اليوم هي لمعالجة مأساة مليوني إنسان، معظمهم بلا مأوى ولا مأكل، يحتاجون إلى خطة إنقاذ مؤقتة تستبق مشروع الإدارة والتطوير الذي سيستغرق وقتًا، ربما أشهر، قبل أن يبدأ.
نقلا عن الشرق الأوسط





