thumbs_b_c_7900efaa6f30bd36c57661af4355ebe6

من السودان- الأناضول

فاتح المهدي – (السودان)

بين أنقاض الحرب وجحيم النزوح، يصارع ملايين السودانيين شبح الفقر والجوع في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في أفريقيا الحديثة. فهل ما يحدث في السودان هو بداية لمجاعة كبرى لا تقل فتكًا عن الرصاص؟

الغذاء.. سلعة نادرة وسلاح حرب

تؤكد منظمات إنسانية أن الحرب جعلت من الغذاء سلاحًا. إذ تسيطر الميليشيات المسلحة على الطرق والمنافذ الحيوية، ما جعل الوصول إلى المناطق المتضررة شبه مستحيل.
في ولايات مثل غرب دارفور وجنوب كردفان، يضطر الأهالي لأكل أوراق الأشجار، وشرب المياه الراكدة للبقاء على قيد الحياة.

“الوضع في معسكرات النزوح مأساوي. الأطفال يموتون بسبب الجوع وسوء التغذية”، تقول فاطمة علي، منسقة إغاثية تعمل في شرق السودان.

مساعدات غير كافية.. والمجتمع الدولي غائب

رغم الدعوات الأممية، لم تتلقّ منظمات الإغاثة سوى 20% من التمويل المطلوب لعام 2025. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 18 مليون شخص بحاجة عاجلة إلى مساعدات غذائية، بينما تم توصيل المساعدات فعليًا لنحو 5 ملايين فقط.
تحذّر “هيومن رايتس ووتش”:

“هناك كارثة صامتة تحدث في السودان”، مطالبة بفتح ممرات آمنة للمساعدات وفرض عقوبات على معرقليها.

في الطريق إلى مجاعة شاملة

وفق منظمة FAO، فإن 5 ولايات سودانية أصبحت بالفعل في مرحلة “انعدام الأمن الغذائي الحاد”، وتوشك البلاد على الدخول في تعريف “المجاعة الكاملة” خلال أشهر إذا لم يتم التدخل العاجل.

النازحون.. واجهة المأساة

مع نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني داخليًا وخارجيًا، تفاقمت أزمة الفقر.
تشير تقارير إلى أن الغالبية العظمى من النازحين يعيشون دون دخل أو مأوى، ويعتمدون كليًا على المساعدات التي لا تغطي إلا 30% من احتياجاتهم الأساسية.

تضاعف معدلات الفقر.. أرقام مفزعة

يُقدّر خبراء الاقتصاد أن نسبة الفقر في السودان تجاوزت 65% من السكان، مقارنة بـ36% قبل الحرب.
وتُظهر بيانات البنك الدولي أن 8 من كل 10 أسر فقدت مصدر دخلها الرئيسي.

خبير اقتصادي: الدولة فقدت أدواتها

يقول د. أحمد الحاج، أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم:

“الحرب عطّلت عجلة الإنتاج، خصوصًا في الزراعة والصناعة، وأوقفت سلاسل الإمداد. الدولة فقدت السيطرة على التضخم وسعر صرف الجنيه”.
ويضيف د. أحمد الفاتح:
“حتى لو توقف القتال غدًا، سنحتاج لسنوات طويلة لاستعادة الحد الأدنى من التعافي الاقتصادي. الدولة غائبة تمامًا.”

حقوقيون: الحكومة مسؤولة والميليشيات مجرمة

يؤكد الحقوقي عادل عيسى من منظمة “سودان للعدالة”:

“الأطراف المتنازعة حولت المدنيين إلى رهائن جوع. القصف العشوائي، نهب المساعدات، والاستيلاء على المخازن كلها جرائم موثقة”.
وأشار إلى أن مدنًا بأكملها مثل الجنينة ونيالا وكوستي أصبحت بؤرًا للمجاعة والنزوح الجماعي.

المساعدات تُسيّس.. والضحايا بلا صوت

في حديثه لـ”اليوم ميديا”، يقول الحقوقي عبد الفتاح:

“توزيع المساعدات يخضع لنفوذ الميليشيات أو الولاءات القبلية. المدنيون بلا حماية، ويُستخدمون كورقة تفاوض أو ابتزاز”.

الأمم المتحدة تحذر.. والمجتمع الدولي يتباطأ

في بيان حديث، حذّرت الأمم المتحدة من أن السودان يواجه “أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه“، محذرة من ضعف الاستجابة الدولية، إذ لا تتجاوز نسبة التمويل 15% من إجمالي النداء الإنساني.


الفقر في السودان لم يعد مجرد رقم على ورق، بل واقعًا يوميًا ينهش حياة الملايين.

إذا لم تتوقف الحرب وتبدأ تسوية شاملة، فإن المجاعة ستصبح واقعًا لا مفر منه، وستسقط معها آخر مظاهر الدولة، في بلد كان يُعدّ من أغنى دول أفريقيا بالموارد.