
ا(الإيكواس) تأسيست عام 1975
لندن – رامي صلاح
كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) حلمًا تكامليًا كبيرًا في قلب القارة السمراء. فمنذ تأسيسها عام 1975، سعت المنظمة إلى بناء تكتل إقليمي قوي يعزز النمو الاقتصادي، ويدافع عن الديمقراطية، ويوفر الأمن لمواطنيه في منطقة ثرية بالموارد وفقيرة بالاستقرار.
لكن وبعد قرابة نصف قرن من الطموحات، تواجه الإيكواس اليوم منعطفًا مصيريًا، وسط موجة من الانقلابات العسكرية، والتمدد الإرهابي، والتدخلات الأجنبية المتنافسة، ما يهدد بتفكيك المنظمة أو على الأقل تقزيم دورها التاريخي.
الانقلابات.. صفعة متتالية للمشروع الديمقراطي
بدأت مؤشرات الانهيار السياسي منذ عام 2020، مع سلسلة من الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. هذه التحركات العسكرية لم تنتهك فقط مواثيق الإيكواس بشأن الحكم المدني، بل تحدت سلطتها وفاعليتها. ورغم فرض عقوبات اقتصادية وعزلة دبلوماسية، أعلنت الدول الثلاث انسحابها رسميًا من المنظمة في 2024، مشكّلة ما بات يُعرف بـ”تحالف الساحل”.
هذه الخطوة لم تكن مجرد تمرد سياسي، بل كشفت عجز الإيكواس عن حماية مبادئها وتطبيق قراراتها، لتجد نفسها في مواجهة أسئلة وجودية صعبة.
الإرهاب.. العدو المشترك الذي يتمدد
في موازاة الانهيار السياسي، تعيش منطقة الساحل حالة من الانفلات الأمني، مع تصاعد هجمات الجماعات المتطرفة كـ”بوكو حرام” و”داعش” و”أنصار الإسلام”. ورغم محاولات الإيكواس إنشاء قوة عسكرية مشتركة، ظلت فعاليتها محدودة. وغذّى هذا الفشل قناعة لدى بعض العسكريين بأن “الحسم بالقوة” هو الحل الوحيد، حتى ولو كان ذلك على حساب الديمقراطية.
تآكل الشرعية وتراجع التأثير
ما تبقى من دول الإيكواس، وعددها 12، تعاني أيضًا من تراجع ثقة شعوبها في المنظمة، التي باتت تُتهم بالبيروقراطية والارتهان للضغوط الخارجية. غياب الرؤية الاستراتيجية والتمويل المستدام أضعف المشاريع المشتركة، وحوّل دور المنظمة إلى ردود فعل غير قادرة على التأثير الحقيقي.
الاقتصاد في مهب الريح
انسحاب ثلاث دول أساسية عطّل حركة التجارة، وأضعف بنية السوق الإقليمية الموحدة، وقلل من شهية المستثمرين الأجانب. كما أن العقوبات الاقتصادية، التي طالت الشعوب أكثر من الأنظمة، دفعت بعض الدول للبحث عن بدائل تحالفية خارج الإيكواس، ما عمّق الشروخ داخل المنظومة.
روسيا وفرنسا.. صراع النفوذ فوق أنقاض الإيكواس
مع انسحاب فرنسا تدريجيًا، تقدمت روسيا عبر مجموعة “فاغنر”، مقدمة دعمًا عسكريًا واستثمارات في قطاعات استراتيجية. هذا التدخل غير الموازين، وأعاد إنتاج الخطاب المناهض للاستعمار، ما زاد من ضعف الإيكواس المتهمة بالانحياز للمصالح الغربية.
فرص النجاة: إصلاح قبل الانهيار
رغم الظرف المعقد، لا تزال هناك نافذة أمل يمكن للإيكواس أن تنفذ منها نحو البقاء والتجدد، عبر مسارات محددة:
- إصلاح العقوبات لتكون موجهة للنخب الحاكمة لا الشعوب.
- دمج القوى العسكرية في حوارات وطنية شاملة بدلاً من عزلهم.
- دعم القوة العسكرية المشتركة بتنسيق مع الاتحاد الأفريقي.
- تسريع مشاريع البنية التحتية لتعزيز التكامل الاقتصادي.
- ضبط الحياد الجيوسياسي بتفادي الانحياز لأي طرف دولي.
- تعزيز التعاون مع الاتحاد الأفريقي وبناء جبهة دبلوماسية موحدة.
الخلاصة: إما التغيير أو الزوال
يبقى مستقبل الإيكواس مرهونًا بقدرتها على التكيّف مع الواقع الجديد. هل تستطيع التحوّل إلى منصة حوار واندماج، أم ستظل أداة فقدت تأثيرها في زمن التحولات الكبرى؟
إنه خيط رفيع بين البقاء والانهيار.. وطرف الخيط في يد قادة غرب أفريقيا.