
آثار القتال بين ميليشيات متحاربة في طرابلس خلال شهر مايو الماضي
علي الطرابلسى – ليبيا
لم يكن العثور على عشرات الجثث المتفحمة والمكدّسة في ثلاجات مستشفيات طرابلس مجرّد مصادفة مأساوية، بل هو الوجه الحقيقي للفوضى التي تحكم ليبيا منذ أكثر من عقد من الزمان. هذه الجثث ليست فقط ضحايا جريمة، بل ضحايا دولة اختطفتها الميليشيات، وسُلطة تُدار من خلف الستار برائحة البارود والدم.
■ مأساة في قلب طرابلس
في بيان صادم، أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن “قلقه البالغ” إزاء اكتشاف 77 جثة، بينها 10 متفحمة أُخرجت من مقر “جهاز دعم الاستقرار” التابع لميليشيا عبد الغني الككلي، القائد الذي قُتل في اشتباكات مسلحة في منتصف مايو الماضي.
وكانت الجثث الأخرى، وعددها 67، مخزّنة بطريقة غير إنسانية داخل ثلاجات مستشفيي أبو سليم والخضراء، في مشهد يعكس غياب أدنى درجات المسؤولية، ليس فقط من الميليشيات، بل أيضًا من الجهات التي يُفترض أنها حكومية!
■ دولة تُدار بثقافة المقابر السرية
يكشف التحقيق الأممي عن معلومات بوجود موقع دفن جماعي في حديقة حيوان طرابلس، كانت تديره الميليشيا ذاتها. شهادة أحد السكان المحليين لـ”اليوم ميديا” تؤكد:
“نشمّ رائحة موت كلما اقتربنا من هناك.. لكن لا أحد يجرؤ على السؤال، فالسؤال في طرابلس قد يُكلّفك حياتك.”
Breaking News
■ “جهاز دعم الاستقرار”: اسم رسمي وذراع ميليشياوي
بحسب حقوقيين تحدثوا لـ”اليوم ميديا”، فإن هذا الجهاز يعمل تحت غطاء رسمي لكن بآليات ميليشياوية بحتة. تقول ناشطة حقوقية ليبية:
“نحن أمام جهاز أمني يتصرف كعصابة.. لا شفافية، لا مساءلة، ولا رادع، والضحايا دائمًا من الشباب المجهولين.”
■ صمت رسمي.. وتواطؤ سياسي
رغم فداحة الاكتشافات، لم تصدر حكومة عبد الحميد الدبيبة أي توضيح جوهري، واكتفى بيانها بتشكيل “لجنة تقصّي حقائق”. لكن، في ظل السيطرة الميليشياوية على الأرض، لا ينتظر الليبيون الكثير من هذه اللجان.
■ من القذافي إلى الككلي.. دورة عنف لا تنتهي
منذ سقوط معمر القذافي في 2011، غرقت ليبيا في دوامة من الصراعات القبلية والمناطقية والميليشياوية، غابت معها الدولة ككيان ضامن للعدالة والأمن. وكأن البلاد انتقلت من دكتاتورية مركزية إلى ديكتاتوريات ميليشيوية متناحرة.
■ الخبراء: “هذه ليست جرائم معزولة”
يؤكد الدكتور محمد الترهوني، أستاذ القانون الجنائي الدولي، في حديثه لـ”اليوم ميديا”:
“ما يحدث في طرابلس ليس استثناءً بل هو القاعدة.. وغياب المحاسبة شجّع قادة الميليشيات على التصرّف كملوك حرب.”
ويضيف:
“هذه الجرائم تندرج تحت بند الجرائم ضد الإنسانية إذا ثبت أنها نُفذت بشكل منهجي.”
■ الشهادات الحية تصرخ
إحدى الأمهات، التي فُقد ابنها قبل عام، تقول لـ”اليوم ميديا”:
“بحثت عنه في كل مكان.. المستشفيات، السجون، الميليشيات. وعندما سمعت عن الجثث، تمنّيت لأول مرة أن أكون مخطئة. لكني الآن خائفة من أن يكون بينهم.”
■ هل من أفق للعدالة؟
بينما تُفتح “مقابر الصمت والفوضى” في قلب العاصمة، وتُكتشف الجرائم واحدة تلو الأخرى، تظل العدالة أبعد ما يكون، طالما أن السلاح هو من يحكم، والميلشيات تسيطر، والحكومة تتفرّج.
ليبيا لا تحتاج فقط إلى تسوية سياسية، بل إلى صحوة ضمير.. إلى دولة تضمن الحياة قبل أن تتفنّن في دفن الموتى.