image

مقاتلون من جماعة مسلحة محلية في بلدة ميناكا، مال، معقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في منطقة الساحل (الغارديان)

على امتداد الصحراء الكبرى ومنابع النيجر إلى غابات بوركينا فاسو والحدود المالية، ترتفع رايات سوداء من جديد. لكن هذه المرة، ليست تلك “داعش” التي عرفها العالم في الموصل والرقة، بل نسخة جديدة أشدّ فتكًا، وأكثر تكيفًا مع هشاشة الساحل الإفريقي.

ففي ظل الانسحاب الفرنسي المتدرج من المنطقة، وتقلص نفوذ مجموعة فاغنر الروسية بعد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين، تلوح في الأفق عودة قوية للجماعات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”.

منطقة بلا حُماة.. داعش تدخل الفراغ

حين غادرت القوات الفرنسية قواعدها في مالي، ثم النيجر، بدا وكأن الغطاء الأمني الهش أصلاً قد سُحب من فوق رؤوس ملايين البشر. وفي غياب بديل دولي حقيقي، تحولت بعض المناطق إلى فراغ أمني تُحكم داعش قبضتها عليه يومًا بعد يوم.

“الغرب انسحب، لكن لم يترك شيئًا خلفه سوى الفوضى”، يقول الخبير النيجيري محمدو باري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أبوجا.
“من الذي يملأ هذا الفراغ؟ بالطبع، من هم على استعداد لزرع الرعب مقابل النفوذ.”

داعش تُعيد التموضع.. والفقر هو الوقود

الجماعة المتطرفة التي فقدت بريقها الإعلامي بعد انهيار خلافة الشام والعراق، تجد اليوم في الساحل بيئة خصبة لتجديد وجودها. إنها تعود بشكل مختلف: أقل بهرجة، وأكثر تسللًا. فالفقر، والبطالة، وتفكك الدولة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تمثل الحاضنة الطبيعية لانتشارها.

“داعش لم تمت، بل كانت تُغيّر جلدها”، يقول د. ريتشارد بلاكويل، الباحث في شؤون الحركات الجهادية بمعهد تشاتهام هاوس البريطاني.
“في الساحل، لم تعد الجماعة تبحث عن دولة، بل عن سيطرة محلية تُحوّلها إلى مركز ابتزاز وتجنيد طويل الأمد.”

تحالفات محلية.. وصراعات عرقية

النسخة الجديدة من داعش لا تتحرك وحدها. بل تدخل في تحالفات مرنة مع ميليشيات محلية، أو تستغل النزاعات العرقية، خصوصًا بين الطوارق والفولاني في مالي، لكسب موطئ قدم جديد.

وفي بعض المناطق، أصبحت داعش "شبه حكومة"، تفرض الجزية، وتحكم بالنار، وتملأ فراغ الدولة الغائبة.

"الناس هنا لا يثقون في الدولة، بل في من يوفّر الأمان"، تقول فاطماتا كوليبالي، ناشطة من باماكو.
"وهذا بالضبط ما تستخدمه داعش لكسب القرى واحدة تلو الأخرى."

من يشعل النار؟.. أصابع غربية في الظل

مع كل صعود مفاجئ للتنظيم، يعود السؤال المؤلم: من يُغذي داعش؟ ومن يفتح لها الطريق؟

رغم الانكار، تتزايد أصوات في أفريقيا تتهم بعض الدوائر الغربية بالتغاضي، أو حتى تسهيل تمدد الجماعة لأغراض استراتيجية، تتعلق بإعادة رسم النفوذ بعد انسحاب فاغنر وتراجع الدور الفرنسي.

"كلما انسحبت قوة، ظهرت داعش في اليوم التالي"، يقول الجنرال المتقاعد موسى سنغاري، مستشار الأمن القومي السابق في النيجر.
"من يصدّق أن هذه مصادفة؟"

ما بعد فاغنر.. ومن يملأ الفراغ؟

مع تراجع نشاط مجموعة فاغنر الروسية بعد مقتل قيادتها، تفتقد الأنظمة العسكرية التي وصلت إلى الحكم عبر انقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر للدعم اللوجستي والاستخباراتي. هذا الانكشاف، يمنح داعش أفضل فرصة منذ سنوات لتوسيع نفوذها.

"فاغنر كانت درعًا لأغلب هذه الأنظمة الهشة، والآن داعش تلتهم ما تبقى"، يوضح البروفيسور أليو ديالو، خبير العلاقات الإفريقية – الفرنسية في جامعة السوربون.

إلى أين تتجه المنطقة؟

مع غياب استراتيجية أمنية شاملة، وعدم وجود مظلة دولية فاعلة، يبدو الساحل مفتوحًا على كافة السيناريوهات السوداء:

  • تمدد إرهابي سريع: تسيطر الجماعة على مناطق أوسع في بوركينا ومالي.
  • حروب داخلية: مواجهة بين داعش وتحالفات محلية، ما يجر المنطقة نحو صراعات أهلية.
  • تدخل دولي جديد: استخدام تهديد الإرهاب لتبرير عودة غربية، ولكن بشروط جديدة.

"داعش ليست النهاية، بل الأداة التي تُعيد بها بعض القوى رسم نفوذها في أفريقيا"، يقول ستيفن ماكغريغور، مستشار الشؤون الإفريقية السابق في البنتاغون.

هل من أفق للمقاومة؟

في ظل غياب مؤسسات قوية، لن يكون الحل أمنياً فقط. فالمعركة ضد "داعش الساحل" تتطلب:

  • استثمارًا تنمويًا حقيقيًا.
  • دعم المجتمعات المحلية بالتعليم والبنية الأساسية.
  • خطة شاملة تقودها أفريقيا، لا تُفرض من الخارج.

"المعركة ليست ضد داعش فقط، بل ضد الفقر والنسيان"، تختم الناشطة المالية هادية كامارا.

من مكتبنا في الساحل الأفريقي – لندن | اليوم ميديا