
جندي من المقاتلين في قصر بشار الأسد في دمشق بعد سقوطه - أرشيفية
لندن – ربيع يحيى
في خطوة وُصفت بأنها واحدة من أكثر التحولات الجيوسياسية إثارة منذ إسقاط نظام بشار الأسد، حصل أحمد الشرع، المعروف بـ”الجولاني”، على الضوء الأخضر الأميركي لدمج مئات المقاتلين الإيغور – ذوي الأصول الصينية – ضمن تشكيلات الجيش السوري الجديد الذي يقوده.
التحرك الأميركي المفاجئ يُنهي سنوات من المطالب الغربية بطرد هؤلاء المقاتلين من الأراضي السورية، ويعيد رسم مشهد التحالفات في جنوب البلاد، وسط ترقب حذر من تل أبيب، وصدمة في بكين.
الإيغور.. من متطرفين إلى جنود في جيش “الشرع”
المعلومات التي نقلتها صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، تشير إلى أن نحو 3500 مقاتل، معظمهم من أقلية الإيغور الصينية، سيشكلون ما يُعرف بـ”الفرقة 84″، وهي وحدة عسكرية ضمن هيكل الجيش السوري الجديد، تتألف من مقاتلين أجانب وسوريين، وتتمركز في الجنوب السوري قرب الحدود الإسرائيلية.
هؤلاء المقاتلون كانوا قد انخرطوا في معارك إسقاط الأسد، وانضم بعضهم سابقًا لتنظيمات مثل “داعش” و”هيئة تحرير الشام”، إلا أن “الجولاني” – الرئيس الجديد لسوريا – قرر استيعابهم ضمن بنية الجيش، بدلًا من محاربتهم أو ترحيلهم، بزعم أن ذلك سيقلل خطرهم الأمني ويمنعهم من العودة للتطرف أو الالتحاق بجماعات جهادية دولية.
لماذا غيّرت واشنطن موقفها؟
التغيير الأميركي لم يأتِ من فراغ. فالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، توصل إلى تفاهمات مباشرة مع “الشرع”، تتعلق بإعادة هيكلة القوات المسلحة السورية، وشملت بندًا مثيرًا للجدل حول تسوية أوضاع المقاتلين الأجانب.
بحسب “معاريف”، فإن “الشرع” أقنع واشنطن أن دمج الإيغور يضمن تحييدهم أمنيًا ويمنح حكومته الجديدة اليد العليا على كامل الأراضي السورية. كما استخدم ورقة “التهدئة مع إسرائيل” كورقة ضغط، مشيرًا إلى أن السيطرة على الجنوب تتطلب موافقة أمريكية-إسرائيلية على بقاء هؤلاء المقاتلين ضمن صفوفه.
الصين غاضبة.. وإسرائيل تتردد
وزارة الخارجية الصينية أعربت عن “قلقها العميق”، مؤكدة أن بكين تأمل ألا تصبح سوريا ملاذًا للانفصاليين أو الحركات المتطرفة التي تهدد الأمن القومي الصيني، في إشارة إلى مخاوفها من انتقال العدوى إلى إقليم “شينجيانغ”.
أما إسرائيل، فوجدت نفسها أمام معادلة معقدة: فـ”الجولاني” يعرض تطبيعًا سياسيًا مع تل أبيب، لكنه في الوقت ذاته يسعى لإضفاء الشرعية على مئات المقاتلين الذين قاتلوا سابقًا تحت رايات جهادية. ورغم التحفظات، فإن مصادر عبرية تقول إن القرار الأميركي جاء بالتنسيق الكامل مع تل أبيب، التي قد تجد في “الشرع” شريكًا غير مثالي لكنه ضروري في المرحلة المقبلة.
ماذا يعني هذا لسوريا والمنطقة؟
قرار واشنطن لا يعكس فقط تحولًا في موقفها من المقاتلين الأجانب، بل يعبر عن إعادة تموضع إستراتيجي في الملف السوري. فمن الواضح أن الولايات المتحدة تدعم بناء جيش موحد بقيادة الشرع، قادر على فرض النظام وتأمين الحدود، مقابل تنازلات جيوسياسية قد تشمل تطبيعًا جزئيًا مع إسرائيل وانفصالًا تدريجيًا عن النفوذ الإيراني.
أما بالنسبة للإيغور، فإن دمجهم في الجيش السوري يمنحهم “شرعية سياسية” غير مسبوقة، لكنه يفتح الباب أيضًا لصدامات مع بكين التي قد تصعد دبلوماسيًا وربما أمنيًا في المستقبل القريب.