
أحمد الشرع (سانا)
في خطوة مثيرة للجدل، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بأن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان هو شرط أساسي لأي تطبيع محتمل مع سوريا. تصريح كهذا يأتي في وقتٍ تدور فيه أحاديث خلف الكواليس عن مفاوضات غير مباشرة بين تل أبيب ودمشق، برعاية أميركية، بهدف تهدئة التوترات وفتح نافذة نحو اتفاق سلام يُنهي عقودًا من العداء.
لكن، ما الذي يعنيه هذا الشرط في الواقع؟ وهل تسير سوريا، بقيادتها الجديدة، نحو تسوية مؤلمة تتضمن التنازل عن السيادة مقابل رفع الحصار وإعادة الإعمار؟ أم أن الأمر مجرد مناورة دبلوماسية من الجانبين؟
الجولان.. أكثر من مجرد أرض
مرتفعات الجولان ليست مجرد تلة إستراتيجية، بل رمز سيادي لكل من سوريا وإسرائيل. فمنذ أن احتلتها تل أبيب عام 1967 وضمّتها رسميًا عام 1981، تحوّلت إلى خط أحمر للجانبين، ومرتكز للصراع العربي الإسرائيلي. وطوال سنوات، تمسّكت دمشق بشعار “السلام مقابل الأرض”، بينما لم تعترف أي حكومة إسرائيلية بالانسحاب الكامل كخيار مطروح.
الآن، تعلن إسرائيل قلب المعادلة: الأرض مقابل السلام. وتطلب من سوريا الاعتراف بسيادتها على الجولان كجزء من أي اتفاق سلام مستقبلي.
موقف دمشق: الانفتاح الحذر
الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، ألمح قبل أيام إلى مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين، تهدف – كما قال – إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على محافظة القنيطرة، دون أن ينفي أو يؤكد الحديث عن تطبيع شامل.
المصادر القريبة من الرئاسة السورية تتحدث عن “عقلانية جديدة” في دمشق، تقوم على فك الحصار وإعادة العلاقات العربية والدولية بأي ثمن ممكن، لكنها تُواجه معارضة داخلية، خصوصًا من المؤسسة العسكرية القديمة ومن داعمي “المقاومة”.
خبير إسرائيلي: “لا انسحاب من الجولان بعد اليوم”
يقول شلومو فايسبرغ، الباحث في مركز الأمن القومي الإسرائيلي، إن:
“إسرائيل لم تعد ترى الجولان ورقة تفاوض، بل مكوّنًا من هويتها الجغرافية والأمنية. لقد أُنشئت مستوطنات، وحدث استثمار اقتصادي هائل، وهناك دعم أميركي ضمني للبقاء. التنازل لم يعد خيارًا سياسيًا واقعيًا داخل إسرائيل.”
فايسبرغ يضيف أن إسرائيل لن تُمانع اتفاق سلام مع سوريا “ما دامت الأخيرة تعترف بالسيادة الإسرائيلية” وتبتعد عن إيران وحزب الله، مشيرًا إلى أن ذلك “سيخدم الأمن القومي الإسرائيلي دون تقديم تنازلات حقيقية”.
خبير غربي: “الواقعية قد تفرض تسوية هجينة”
أما مارك هاستينغز، المحلل السياسي الأميركي في مؤسسة “كارنيغي”، فيقول:
“الشرط الإسرائيلي صعب، لكنه ليس مستحيلًا. قد نرى تسوية هجينة، يتم فيها تحويل الجولان إلى منطقة منزوعة السلاح تحت رقابة دولية، مع إبقاء السيادة الفعلية لإسرائيل، دون اعتراف صريح سوري، أو العكس.”
ويضيف:
“الإدارة الأميركية حريصة على تحقيق اختراق دبلوماسي قبل الانتخابات، وإسرائيل تستغل اللحظة. أما سوريا، فهي لا تملك ترف الخيارات، وستفكر في الاقتصاد أكثر من الأرض.”
خبير عربي: “الشرط غير واقعي وسيُفجّر الداخل السوري”
أما الخبير اللبناني د. كمال عبدالنور، فيرى أن الطرح الإسرائيلي “غير أخلاقي وغير واقعي”، ويؤكد:
“إذا قايضت دمشق الجولان بالتطبيع، فإن النظام الجديد سيخسر شرعيته الوطنية. كل السوريين يعتبرون الجولان خطًا أحمر، ولا يمكن لأي سلطة – حتى ولو انفتحت على الخليج والغرب – أن تُجازف بخسارة الشارع.”
ويحذّر عبدالنور من “موجة غضب داخلية” قد تشتعل إذا تم تهميش ملف الجولان، أو طُرح على طاولة التفاوض “كأنّه مجرد قطعة أرض مهجورة.”
بين السيادة والسلام.. من يربح الجولة؟
ما بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة، يقف الجولان هذه المرة على حافة تحوّل إستراتيجي. فبينما تسعى إسرائيل لترسيخ مكاسبها بعد حرب 2024، تجد دمشق نفسها مضطرة للعب بأوراق لم تكن تقبل بها سابقًا.
هل تفرّط سوريا بالجولان مقابل بقاء النظام وتدفّق الاستثمارات؟ وهل ينجح الغرب في إقناع الطرفين باتفاق يربح فيه الجميع دون خسارة المبدأ؟
الأسابيع المقبلة قد تحمل الجواب.
وحدة التحليلات – لندن – اليوم ميديا