image

محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي

تواجه العلاقات السعودية–المصرية، التي شكّلت لعقود عماد النظام العربي واستقراره، مرحلة غامضة ومتوترة تتجاوز الخلافات التقليدية. خلف الأبواب المغلقة، تدور معارك صامتة على النفوذ والهيمنة، وسط صمت رسمي مثير للقلق، يوحي بأن الأزمة أعمق مما يُقال.

صراع نفوذ بأبعاد جديدة

رغم أن العلاقات بين القاهرة والرياض كانت دومًا تتأرجح بين التقارب والفتور، إلا أن ما يحدث اليوم يُنظر إليه في أوساط دبلوماسية عربية باعتباره تحولًا استراتيجيًا خطيرًا في بنية أقدم تحالف عربي.

يؤكد خبير سياسي مصري أن “الرياض باتت ترى في استقلالية القرار المصري تهديدًا لنفوذها الإقليمي، خاصة مع انفتاح القاهرة على قوى دولية مثل روسيا والصين، دون تنسيق واضح مع حلفائها الخليجيين”. ويضيف: “مصر تسعى إلى لعب دور مستقل يليق بمكانتها التاريخية، حتى لو كان ذلك على حساب علاقات تقليدية”.

من جهته، يرى خبير سعودي مطّلع على مجريات العلاقة أن “القاهرة لم تعد تتعامل مع الدعم الاقتصادي الخليجي كوسيلة لتعزيز الشراكة، بل كأمر واقع، بينما تنتظر الرياض التزامات واضحة تُقابل هذا الدعم”. ويتابع: “السعودية تتحول الآن إلى نمط جديد من الدبلوماسية الاقتصادية المشروطة بالنتائج، وليس بالعلاقات التاريخية فقط”.

أما الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، مايكل هاربر، فيعلّق قائلًا:
“التحالف بين السعودية ومصر كان دائمًا جزءًا من معادلة الاستقرار في المنطقة، لكن التغيرات الجيوسياسية وضغوط الاقتصاد العالمي تدفع كل طرف إلى إعادة تقييم تحالفاته. الرياض تسعى إلى قيادة إقليمية مستقلة، بينما تنظر القاهرة إلى الخليج بعينٍ براغماتية لا عاطفية. هذا التباين في الرؤية قد يُنتج صدامًا باردًا لا يُقال، لكنه يُترجم في السياسات.”

التكتم: درع سياسي أم إشارة لانفجار وشيك؟

يعكس التكتم الإعلامي الذي يلفّ الخلاف إدراك الطرفين لحساسية اللحظة، إذ إن الاعتراف العلني بوجود أزمة قد يُربك الداخل ويمنح الخصوم الإقليميين أوراقًا للمناورة.
وترجّح مصادر مطلعة أن الملفات الخلافية تتوزع بين اليمن، وليبيا، والاستثمارات الكبرى، وحتى ملف التطبيع مع إسرائيل، حيث تتخذ الرياض مواقف تتسم بالانفتاح والمرونة، بينما تلتزم القاهرة خطابًا أكثر حذرًا ومحافظة، ما يُفاقم التوترات.

اقتصاد.. بلا شراكة واضحة

في قلب الأزمة يكمن ملف الاقتصاد، حيث تبدو مصر أقل اندفاعًا من السابق نحو التمويل الخليجي، وتركّز على تنويع شراكاتها الدولية، في حين تشعر السعودية بأن حليفها التاريخي لم يعد يولي مصالحها الاعتبار الكافي.
الخلافات حول مشاريع البنية التحتية والاستثمارات السيادية، خصوصًا تلك المرتبطة بمناطق استراتيجية كممرات التجارة والطاقة، باتت أكثر تعقيدًا، ويجري التفاوض بشأنها في كواليس توصف بالباردة.

مستقبل التحالف.. إلى أين؟

رغم المخاوف، ما زالت هناك نوافذ لتفادي الانفجار. يرى مراقبون أن تجاوز الأزمة ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية لكسر جدار التكتم، والدخول في حوار استراتيجي شفاف يعيد بناء الثقة، ويرسم خريطة جديدة للتحالف، تقوم على المصالح لا على الافتراضات التاريخية.

لكن استمرار الانغلاق قد يؤدي إلى شرخ يصعب رأبه، ويُمهد لتحولات إقليمية تعيد رسم خارطة النفوذ العربي، وربما تُطلق سباق تحالفات جديدًا في الشرق الأوسط، حيث لا مكان للمجاملات في زمن الاصطفافات الكبرى.

وحدة التحليلات – لندن – اليوم ميديا