image

من العاصمة السعودية الرياض

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، يُعد قرار إيران تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية نقطة تحول خطيرة قد تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط. في هذا السياق، يبرز سؤال محوري: هل ستجد السعودية نفسها مضطرة لإعادة تقييم استراتيجياتها النووية لضمان أمنها الإقليمي؟

قرار إيراني يصعد التوتر النووي

دخل البرنامج النووي الإيراني منعطفًا جديدًا بعد مصادقة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على قانون البرلمان لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا القرار جاء كرد فعل على الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في نطنز وأصفهان وفوردو، ويشكّل تحديًا صارخًا لجهود منع الانتشار النووي.

وفقًا لتحليل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإن خطوة إيران هذه ترسل إشارة مفادها أن الالتزام بالشفافية الدولية لم يعد يوفر حماية، بل قد يتحول إلى نقطة ضعف تُستغل. ويشير الخبير البريطاني في منع الانتشار النووي، د. ريتشارد وايتفيلد، إلى أن: “الخطوة الإيرانية تمثل سابقة خطيرة، وإذا لم تُواجه بشكل جماعي، ستفتح الباب أمام دول أخرى لتطوير قدرات ردع خاصة بها تحت مبرر الدفاع السيادي.”

الرياض تراقب عن كثب

السعودية، التي ما تزال رسميًا تلتزم باستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم موقفها الاستراتيجي في حال استمرت إيران في التصعيد النووي.

وفي هذا السياق، قال باحث سعودي في الدراسات الاستراتيجية – فضّل عدم ذكر اسمه: “السعودية لا تريد سباق تسلح، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا شعرت بفقدان أدوات الردع والمراقبة. عدم قدرة الوكالة على الوصول للمواقع الإيرانية يجعل التطمينات الغربية غير كافية.”

“التحوّط النووي”

مع تصاعد التوتر، قد تنزلق منطقة الشرق الأوسط إلى ما يسميه الأكاديمي الأميركي فيبين نارانغ “التحوّط النووي” — أي الاحتفاظ بالقدرة على تطوير سلاح نووي سريعًا دون إعلان رسمي. وهذا يشمل دولًا مثل السعودية، الإمارات، ومصر، التي تمتلك بنى تحتية وخبرة تقنية تسمح لها بذلك.

قلق غربي ورد دبلوماسي محدود

رغم الإدانات الغربية، تبدو الاستجابة الدبلوماسية محدودة. فالولايات المتحدة منشغلة بتبعات الضربات العسكرية، وأوروبا منقسمة بين الضغط الدبلوماسي والمحافظة على قنوات اتصال مع طهران. يحذر الخبير الألماني د. يوهان برونر من أن: “إذا لم توجه رسالة حازمة من مجلس الأمن، فإن دولًا أخرى ستتبع إيران، وسيُفقد المجتمع الدولي هيبته في ضبط النشاط النووي.”

القرار الإيراني يهدد الاتفاق والأمن الإقليمي

تعليق التعاون الإيراني يعقد أيضًا فرص إحياء الاتفاق النووي (JCPOA)، الذي بدأ ينهار منذ انسحاب واشنطن عام 2018. وبدون تفتيش دولي، تصبح مراقبة مدى اقتراب إيران من إنتاج السلاح النووي شبه مستحيلة. كما قد تدفع هذه الخطوة دولًا مثل تركيا إلى تقوية شراكاتها النووية مع روسيا أو الصين، بينما قد تعيد الإمارات ومصر النظر في التزاماتها مع الوكالة.

دبلوماسية شاملة لتفادي الانزلاق العسكري

يمثل قرار إيران اختبارًا حقيقيًا لنظام منع الانتشار النووي العالمي. يقول المحلل اللبناني راغب أبو مراد: “إذا لم تُحل هذه الأزمة دبلوماسيًا، فسيتم حسمها عسكريًا، ما سيكلف المنطقة استقرارًا طويل الأمد.”

التحدي أمام المجتمع الدولي هو العمل على استعادة التعاون والشفافية، والضغط على جميع الأطراف للعودة إلى المفاوضات لضمان أمن واستقرار المنطقة.

ريتشارد ويلز – محلل أمن دولي
مركز واشنطن للأبحاث الأمنية والاستخباراتية | واشنطن – اليوم ميديا