image

من العاصمة الرياض

في أعقاب الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وبينما تتماسك هدنة هشة، تواجه المملكة العربية السعودية لحظة مفصلية في سياستها الخارجية. إذ تقف الرياض أمام خيارين متعارضين: المضي في تعزيز علاقاتها مع طهران، أو الانخراط في مشروع التطبيع مع إسرائيل تحت مظلة التفاهمات الأميركية. هذا التوازن الدقيق يعكس إعادة تموضع إستراتيجي في الشرق الأوسط، تصنعه الرياض بهدوء وحذر.

تقارب محسوب مع إيران بعد “طوفان الأقصى”

منذ السابع من أكتوبر، بعد عملية “طوفان الأقصى”، تغيّرت معادلات السياسة السعودية بشكل لافت. فقد ردّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بغضب على الحرب الإسرائيلية في غزة، وسرّع من خطوات المصالحة مع إيران، الخصم الإقليمي التاريخي. وتجلّى ذلك في خطوات علنية لتعزيز العلاقات، أبرزها تنسيق سياسي واقتصادي وإشارات دبلوماسية إيجابية.

من هجوم السابع من أكتوبر (أرشيفية)

يرى مراقبون أن المملكة أصبحت أكثر حذراً من إسرائيل، التي باتت تُنظر إليها كقوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل سياسات حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.

التطبيع مع إسرائيل: حلم واشنطن وكابوس الرياض؟

قبل 7 أكتوبر، كانت خطط ولي العهد تسير في اتجاه إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مقابل اتفاق دفاعي أميركي. إلا أن حرب غزة، ثم الحرب الإسرائيلية ضد إيران، أعادت حسابات الرياض. إذ أصبح التطبيع خطوة مكلفة محلياً وإسلامياً.

قال حسن الحسن، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن “تكلفة التطبيع مع إسرائيل أصبحت باهظة على صعيد سمعة المملكة، داخلياً وإسلامياً”.

الأمير محمد بن سلمان

وتتمسك السعودية بموقفها الراسخ بأن لا تطبيع مع إسرائيل من دون خطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما لا يلوح في الأفق بوجود حكومة إسرائيلية يمينية.

رؤية جديدة: السياسة بدون مرجعية مذهبية

في تحوّل غير مسبوق، لم تعد العلاقة بين السعودية وإيران تُقرأ فقط من زاوية الانقسام المذهبي. فالوهابية، التي شكّلت أحد أركان العداء سابقاً، فقدت الكثير من نفوذها في ظل إصلاحات ولي العهد. هذا التحول فتح الباب أمام إعادة رسم العلاقات مع طهران، بمعايير سياسية واقتصادية أكثر براغماتية.

البعد الاقتصادي والاستراتيجي للتقارب مع طهران

التقارب مع إيران لا يخدم فقط السياسة الخارجية، بل يدعم علاقات الرياض مع القوى العالمية كالصين وروسيا. فبكين تُعد الوجهة الأولى لصادرات النفط السعودي، وموسكو شريك محوري في “أوبك+”.

من أحد الأبار النفطية (أرشيفية)

كما أن هذا الانفتاح يُسهم في استقرار اليمن، إذ تسهّل طهران ترتيبات أمنية محتملة مع الحوثيين، ما قد يُنهي عقداً من الحرب المرهقة.

خاتمة: السعودية أمام لحظة تقرير مصير سياسي في الشرق الأوسط. وبين ضغوط أميركية للتطبيع، وفرصة لتعميق التقارب مع إيران، يبدو أن ولي العهد يفضّل اللعب بهدوء، مع التركيز على الملفات التي تعزّز الاستقرار الإقليمي والدور القيادي للمملكة. الملف الفلسطيني، وخطر الحرب، وواقع الجغرافيا… جميعها عناصر تدفع الرياض نحو شرق جديد، لا ترسمه واشنطن وحدها.

د. ألكسندر وينتر – محلل شؤون الشرق الأوسط | لندن – اليوم ميديا