image

من القتال في ليبيا

منذ انطلاق الحرب الأهلية الليبية، تحوّلت ليبيا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي تتنافس فيها قوى كبرى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. تعد ليبيا اليوم نقطة التقاء طموحات عسكرية، أمنية، واقتصادية لقوى مثل روسيا، تركيا، فرنسا، الولايات المتحدة، ودول الخليج، ما أدى إلى شلل شبه كامل في جهود السلام وبناء الدولة، وفق تحليل لجامعة كامبريدج البريطانية.

تصاعد التدخل الدولي وتشكيل مسار الصراع

منذ عام 2011، لم يكن النزاع الليبي شأنًا داخليًا بحتًا. فقد ساهمت الضربات الجوية بقيادة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في إسقاط نظام معمر القذافي، ما مهّد لتدخلات لاحقة.

في الحرب الأهلية الثانية، قامت الإمارات بدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر بمئات الملايين من الدولارات، بينما دعّمت تركيا حكومة الوفاق بالسلاح والتدريب العسكري. وفي فبراير 2020، كان التدخل العسكري التركي حاسمًا في وقف زحف قوات حفتر نحو الغرب.

التحركات الإقليمية: مصر، الإمارات وتركيا

  • مصر والإمارات تعتبران التوسع التركي تهديدًا مباشرًا لأمنهما القومي، وتخشيان صعود الإسلام السياسي في ليبيا.
  • تركيا تسعى إلى تقويض النفوذ الروسي وتأمين منطقة نفوذ في شرق المتوسط، ما دفعها إلى الدخول المباشر عسكريًا.

فرنسا: شريك سري لحفتر

دفعت سلسلة الهجمات الإرهابية داخل فرنسا منذ 2015، باريس إلى تبنّي سياسة متشددة تجاه “الإسلاموية”. وتقاربت المصالح الفرنسية مع الإمارات، فدعمت فرنسا حفتر عسكريًا عبر تزويد قواته بأنظمة سلاح حديثة، وأرسلت وحدات من قواتها الخاصة لمساندته.

الاتحاد الأوروبي: الهاجس المهاجرات وهواجس الروس

يركز الاتحاد الأوروبي على الحد من الهجرة غير الشرعية ومنع روسيا من الحصول على موطئ قدم جنوب أوروبا. ورغم محاولات تنفيذ حظر السلاح عبر عمليتي “إيريني” و”صوفيا”، إلا أن الانقسامات الداخلية بين أعضائه شلّت فاعليته السياسية والعسكرية في ليبيا.

المملكة المتحدة: عودة المصالح الاقتصادية

بعد أن تراجعت عن المشهد الليبي لسنوات، عادت بريطانيا عبر شركاتها النفطية لإعادة تثبيت مصالحها الاقتصادية. وتركز لندن الآن على منع روسيا وتركيا من توسيع نفوذهما جنوب المتوسط.

الولايات المتحدة: من مكافحة الإرهاب إلى مواجهة قوى الكبرى

غيّرت إدارة ترامب نهجها تجاه ليبيا، من التركيز على مكافحة الإرهاب إلى مواجهة روسيا وتركيا في إطار صراع القوى الكبرى. وبدأت واشنطن في استهداف “ثالوث الخطر” كما وصفه مسؤولون أميركيون: المال، الميليشيات، والإخوان المسلمون.

خلاصة: ليبيا ساحة وكلاء لحروب كبرى

أثبتت التجربة الليبية أن الصراعات بالوكالة لا تنتهي دون توافق دولي حقيقي. ووسط عجز الأمم المتحدة عن تحجيم التدخل الخارجي، وتضارب المصالح بين اللاعبين الكبار، تبدو ليبيا عالقة في متاهة من الحروب المصغرة التي تقف خلفها أجندات عابرة للحدود.

لندن – اليوم ميديا