بينما تحتفظ مصر بخزان أسوان العملاق بسعة تخزينية تضاعف قدرة سد النهضة، يبقى السودان الطرف الأكثر عُرضةً للمخاطر. فغياب السدود الفعالة على مجرى نهر النيل في الأراضي السودانية، إضافة إلى قربه الشديد من موقع سد النهضة — أقل من 30 كيلومترًا — يجعله مهددًا بانقطاع حاد في الإمدادات المائية، أو التعرض لتدفقات مفاجئة ضخمة قد تؤدي إلى فيضانات كارثية.
ورغم إمكانية التنسيق الفني اليومي بين الخرطوم وأديس أبابا، فإن الصراع الداخلي المتصاعد في السودان يُعقّد من إمكانية اتخاذ موقف موحد، خاصة مع مخاوف الأطراف السودانية من إثارة غضب القاهرة ونظامها بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، الذي لا يخفي انزعاجه من سياسة إثيوبيا الأحادية.
مشروع استراتيجي للطاقة… و”فرصة مشتركة”
بحسب ما نقلته صحيفة جون أفريك الفرنسية في تقريرها المنشور بتاريخ 21 يوليو 2025، فإن الافتتاح الرسمي لسد النهضة مقرر في سبتمبر/أيلول المقبل، بعد استثمارات تجاوزت حاجز 5 مليارات دولار. وتشير التقديرات إلى أن السد سيوفر إنتاجًا كهربائيًا يعادل إنتاج خمسة مفاعلات نووية، وهو ما يعزز الطموح الإثيوبي بتحقيق قفزة اقتصادية إقليمية.
وفي رسالة طمأنة واضحة، شدد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على أن سد النهضة لا يمثل تهديدًا لأي من دول الجوار، بل “فرصة مشتركة للتنمية”، مشيرًا إلى أن خطة بلاده تشمل تصدير الكهرباء إلى السودان وكينيا وجيبوتي، وهو ما قد يعيد تشكيل الخريطة الجيو-طاقوية في شرق إفريقيا.
مصر تتمسك بالاتفاقيات التاريخية
رغم التغيرات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، ما تزال القاهرة تتشبث باتفاقيتي 1929 و1959، اللتين تمنحانها، إلى جانب السودان، نحو 87% من حصة مياه النيل. فالاتفاقية الأولى، التي أبرمها البريطانيون مع مصر، منحت القاهرة حق “الفيتو” على أي مشروعات تقام في دول المنبع آنذاك.
أما الاتفاقية الثانية، التي وُقعت بعد الاستقلال، فقد كرّست هذه الحصة المائية، وهو ما تعتبره مصر سندًا قانونيًا في وجه التحركات الإثيوبية. في المقابل، وقّعت عدة دول من حوض النيل، مثل رواندا وبوروندي وتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان، على الاتفاقية الإطارية المعروفة باتفاقية “عنتيبي”، التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول، في تحرك يعكس انقسامًا عميقًا في الرؤية الإقليمية لمستقبل مياه النيل.
لندن – اليوم ميديا