
مستوطنون إسرائيليون يلقون الحجارة على فلسطينيين من قمة تل في قرية سنجل في الضفة الغربية
في خطوة وُصفت بأنها أخطر محاولات شرعنة الاحتلال منذ 1967، صادق الكنيست الإسرائيلي، مساء الأربعاء، على مقترح رمزي يدعو الحكومة لفرض سيادتها القانونية على كامل الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن.
ورغم أن المقترح غير ملزم قانونياً، إلا أن توقيته ومحتواه السياسي يشيان بنوايا حكومة بنيامين نتنياهو في الدفع قدماً بمشروع الضم التدريجي، في ظل انشغال عربي وغربي بصراعات أخرى.
المقترح حصل على تأييد 71 نائباً من أصل 120، من ضمنهم أعضاء الائتلاف الحاكم، وحتى بعض من أحزاب اليمين الديني مثل “شاس”، الذي أعلن انسحابه مؤخرًا من الحكومة. واعتبر النص أن للكيان الإسرائيلي “حقاً تاريخياً وطبيعياً وقانونياً” في كامل أرض الضفة.
طموح يميني قديم يتحول إلى سياسة واقعية
منذ تولي نتنياهو الحكم في ائتلاف هو الأكثر تطرفاً بتاريخ إسرائيل، بات مشروع الضم أحد أبرز ركائز البنية الأيديولوجية للحكومة. “نحن نعيش لحظة حاسمة”، قال بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية”، معتبراً أن “ضم الضفة أمر لا رجعة فيه”. هذا التحول لا يعبّر فقط عن يمين إسرائيلي متغوّل، بل عن تواطؤ دولي ضمني، وصمت عربي رسمي يُقرأ كضوء أخضر.
هل فُتحت أبواب الجحيم على النظام الدولي؟
وزارة الخارجية الفلسطينية أدانت المقترح بوصفه “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقرارات الأممية”. كما نددت تركيا بالإجراء، مؤكدة أن “لا قيمة له من منظور القانون الدولي”، ودعت إلى ردع إسرائيل بشكل عاجل.
لكن في العواصم الغربية، كان الرد باهتاً: بيان أوروبي قلق، وموقف أميركي فضفاض يكرّر دعم “حل الدولتين”، دون اتخاذ أي خطوة ملموسة.
الكاتبة الأميركية فرانسيسكا البيرتي وصفت المقترح بأنه “اغتيال سياسي لحل الدولتين”، مضيفة: “إن لم ترد واشنطن بحزم، فالضفة كلها ستُحوّل إلى مستوطنات مفتوحة، والسلطة الفلسطينية إلى شرطة بلدية تحت الاحتلال”.
التطبيع العربي على المحك: صمت مُريب أم تواطؤ؟
المفارقة الكبرى أن المقترح يأتي بعد شهور من تسريبات عن “صفقة كبرى” برعاية أميركية لضم السعودية إلى ركب التطبيع، مقابل تنازلات إسرائيلية “مؤقتة” بشأن الضفة. لكنّ مشروع الكنيست الأخير أظهر الحقيقة: لا تنازلات، بل مضيّ في خطة ابتلاع ما تبقى من فلسطين.
باستثناء بيانات شكلية من قطر والجزائر، لم تصدر عن غالبية الدول العربية المُطبّعة أي إدانة صريحة. الإمارات، التي وقّعت اتفاق إبراهام عام 2020، التزمت الصمت، فيما أكدت البحرين استمرار علاقاتها مع تل أبيب “رغم الخلافات في بعض الملفات”.
الصحفي البريطاني روبرت فيسك (نقلاً عن مقالات أرشيفية مشابهة) كان قد كتب عن هذه اللحظة قائلاً: “سيأتي يوم تصبح فيه العواصم العربية شاهدة زور على جريمة تُرتكب كل صباح في الضفة، دون أن تجرؤ على رفع إصبع”.
فلسطين تُحاصر من الداخل والخارج
بينما تمضي إسرائيل في ترسيخ مشروع “الضم الزاحف”، تواجه السلطة الفلسطينية تحديات متفاقمة، أبرزها الانقسام الداخلي، وانهيار الثقة الشعبية، والانكشاف الدبلوماسي.
المحلل السياسي ناثان براون قال إن “إسرائيل تحوّل مناطق (أ) و(ب) إلى محميات منعزلة تُدار بالشراكة مع السلطة، بينما تسيطر فعلياً على كل شيء”. ويضيف: “الكنيست لم يقدّم مجرد مقترح رمزي، بل أعطى إشارة واضحة بأن مشروع حل الدولتين انتهى”.
الخلاصة: لحظة الحقيقة.. لمن تبقى من العرب
ما جرى في الكنيست ليس اقتراحًا عابرًا، بل إعلان نوايا رسمية لتكريس دولة فصل عنصري. إن استمرار الصمت العربي، والاكتفاء بالإدانات الشكلية، سيعني أن إسرائيل أصبحت فعليًا فوق القانون الدولي، وأن الضفة الغربية قد تدخل زمن “الضم الرسمي” بلا مقاومة حقيقية.
ويبقى السؤال: هل تبقى القضية الفلسطينية قضية العرب، أم تُسلَّم بالكامل على مذبحالمصالح؟
لندن – اليوم ميديا