image

علما السعودية والرياض

منذ عقود، شكّلت العلاقات السعودية المصرية محورًا مركزيًا في معادلة الأمن العربي، وتحالفًا يصعب تجاوزه في أي توازنات إقليمية. ومع كل أزمة تمر بها المنطقة، تعود الأنظار إلى هذا الثنائي الذي يملك من التأثير السياسي والوزن العسكري ما يجعل أي تقارب أو خلاف بينهما مُحدّدًا لمصير الإقليم.

غير أن هذا التحالف، رغم صلابته الظاهرة، بات عرضة لمحاولات تفكيك متكررة، مدفوعة برهانات خارجية وأطماع إقليمية تسعى لإعادة رسم خرائط النفوذ.

من يُغذي الشكوك؟

يشير خبراء غربيون، من بينهم ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، إلى أن بعض القوى الدولية ترى في التحالف المصري السعودي تهديدًا لاستراتيجياتها طويلة الأمد في المنطقة، خصوصًا في ظل ميل الرياض لتعزيز استقلالها السياسي وتحالفاتها المتعددة، وسعي القاهرة لتثبيت مكانتها الإقليمية رغم الضغوط الاقتصادية.

ويرى روجر بويس، محرر الشؤون الدولية في صحيفة “التايمز” البريطانية، أن أي تكتل عربي قوي يُقلّص من هامش التدخل الأجنبي ويضعف نفوذ قوى مثل إسرائيل وتركيا وإيران، ما يجعل ضرب العلاقة بين الرياض والقاهرة أولوية لدى هذه الأطراف، ولو عبر أدوات ناعمة كالحملات الإعلامية أو إثارة قضايا خلافية.

لحظات التوتر… ولكن!

شهدت العلاقات السعودية المصرية محطات توتر واضحة، لا سيما في ملفات مثل سوريا واليمن، وحتى في مقاربات التطبيع مع إسرائيل. لكن هذه الخلافات، رغم حدّتها أحيانًا، لم تصل إلى حد القطيعة، بل غالبًا ما تم تجاوزها عبر قنوات التواصل الدبلوماسي المباشر، وهو ما اعتبره فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في “LSE”، علامة نضج واستيعاب متبادل لحساسية الموقع والدور.

ما وراء الاستهداف؟

من يراقب مسار المنطقة يدرك أن هناك دولًا صاعدة تحاول ملء الفراغ العربي، بعد أن أُنهكت مراكز القرار التقليدية في دمشق وبغداد وطرابلس. لكن مصر والسعودية ظلتا تمثلان الجدار الأخير أمام مشاريع التوسع الإقليمي، خصوصًا من إيران وتركيا.

ولهذا السبب، يعتقد محللون أن محاولات التشكيك في نوايا الطرفين، سواء بإثارة ملفات خلافية أو تسريب تقارير عن توترات، ليست عفوية بل تأتي ضمن خطة أوسع لتفتيت أي جبهة موحّدة يمكن أن تواجه “التدخلات الخشنة والناعمة” في المنطقة.

تطابق مصالح لا تطابق مواقف

صحيح أن القاهرة والرياض تختلفان أحيانًا في الأسلوب، لكنهما تتفقان على الأهداف الكبرى: الحفاظ على استقرار الإقليم، مواجهة التمدد الإيراني، ضبط النفوذ الإخواني، ومقاومة التفكك العربي.

ولذلك فإن “التحالف” بينهما لا يعني بالضرورة تطابقًا في كل المواقف، بل تنسيقًا استراتيجيًا متواصلاً في الملفات الكبرى. وهو ما أكده محللون في مركز “كارنيغي”، معتبرين أن العلاقة بين البلدين تشبه “جبهة دفاع مشترك” تتسع وتضيق بحسب المصلحة، لكنها لا تنكسر.

رياح التغيير… من الداخل

المفارقة أن التهديد الأكبر للتحالف المصري السعودي لا يأتي فقط من الخارج، بل من الداخل أيضًا. أزمات اقتصادية خانقة في القاهرة، وتحديات ما بعد النفط في الرياض، قد تفرض على الطرفين مراجعات قاسية، تفتح الباب لتحالفات أكثر براغماتية، وقد تُضعف من الحماسة في التنسيق العربي التقليدي.

لكن حتى في هذه الظروف، يرى مايكل ستيفنز من “المعهد الملكي للدراسات الدفاعية”، أن البلدين يدركان أنه لا مفر من بعضهما، فالمنطقة لا تحتمل فراغًا، والبدائل لا تضمن الاستقرار.

خلاصة: هل يُكسر التحالف؟

الرهان على كسر التحالف المصري السعودي، رغم تكراره، لا يزال خاسرًا حتى الآن. لكن استمراره يتطلب أكثر من اللقاءات الدبلوماسية. يحتاج إلى رؤية عربية موحّدة تعيد تعريف التهديدات وتبني ثقة متبادلة تتجاوز اللحظة وتقاوم الاختراق.

ربما لا يوجد اليوم تكتل عربي قادر على الصمود إلا إذا حافظت القاهرة والرياض على هذا الحبل المشدود بينهما. فحين يتباعد الثقلان، تتكاثر الوحوش على جسد الإقليم.

هل يفهم العرب ذلك… قبل فوات الأوان؟

لندن – اليوم ميديا

    اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن. 

    جميع الحقوق محفوظة © ARAB PRESS HOUSE