image

ترامب ونتنياهو

مع عدم وجود خطة واضحة لغزة وتزايد التحديات الإقليمية، بدأت رؤية إدارة ترامب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال القوة بالانهيار. فبينما تتابع الإدارة نهجًا يقوم على “السلام من خلال القوة والتجارة، وليس الفوضى”، إلا أن هذا المسار يهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي لصالح تعظيم النفوذ العسكري والاقتصادي للولايات المتحدة وإسرائيل.

يعتبر الرئيس دونالد ترامب نفسه “صانع صفقات خبير”، يراهن على أن الضربات العسكرية المحسوبة تخلق نفوذًا دبلوماسيًا، خصوصًا بالضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات. وتُبنى استراتيجيته على استخدام قوة عسكرية ساحقة ولكن محدودة المدى، دون الانخراط في حروب طويلة أو سياسات بناء الدولة، ناقلاً عبء الاستقرار الإقليمي إلى الحلفاء المحليين.

التحالف الإسرائيلي الأمريكي: من “علاقة خاصة” إلى عقيدة هيمنة

ترى إدارة ترامب أن التحالف الأيديولوجي مع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل يتجاوز العلاقات التقليدية، ويهدف إلى فرض “إسرائيل الكبرى” كقوة مهيمنة مدعومة بالقوة الأميركية. ويُنظر إلى هذه الهيمنة كوسيلة لتحقيق استقرار إقليمي وإقصاء إيران من المعادلة.

وقد ترافقت هذه الاستراتيجية مع مصالح مالية شخصية بارزة لترامب وعائلته، لا سيما خلال زيارته الأخيرة لدول الخليج. في هذا السياق، كانت الحملة العسكرية التي استمرت 12 يوماً تستهدف البنية النووية الإيرانية لمنعها من امتلاك أسلحة نووية.

ورغم إعلان ترامب “تدمير أو إغلاق” المواقع المستهدفة، كشف تقرير استخباراتي أن منشأة واحدة فقط دُمرت بالكامل، بينما يُتوقع عودة المنشآت الأخرى للعمل خلال أشهر.

إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية

أدت هذه العمليات العسكرية إلى تغييرات ملموسة في موازين القوى الإقليمية، ساعية إلى تسريع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، خاصة السعودية وربما عُمان وقطر وإندونيسيا وحتى سوريا. غير أن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وعدم التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل أو إطلاق سراح الرهائن، يبقي هذه الطموحات معلقة.

إسرائيل كقوة مهيمنة… ولكن إلى أي مدى؟

سعت إسرائيل إلى إظهار نفسها كقوة عسكرية عالمية ذات قدرات استخباراتية فائقة في ما يتعلق بالمنشآت النووية الإيرانية. لكن الضربات التي أسفرت عن سقوط عدد كبير من المدنيين أثارت استنكارًا عالميًا، وأضعفت مزاعمها بالهيمنة.

ولا تزال إسرائيل تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدعم الأميركي العسكري والدبلوماسي والاقتصادي. كما أن القضايا الإقليمية العالقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تضعف محاولاتها لتحقيق هيمنة دائمة، بينما تبقى قوى مثل السعودية وتركيا ومصر غير مستعدة لقبول التفوق الإسرائيلي.

إيران: الطموح النووي لم ينكسر

يرى محللون أن الضربات الأخيرة قد تعجل بتسريع البرنامج النووي الإيراني بدلًا من ردعه. كما أن القيادة الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى علي خامنئي، من غير المرجح أن تفاوض من موقع ضعف.

جاء هذا التصعيد ضمن حملة “الضغط الأقصى” الأميركية التي بدأت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، مما عمّق انعدام الثقة وزاد من ضيق مساحة الدبلوماسية. ويعتقد خبراء أن الضرر الواقع على المنشآت النووية سيكون محدودًا، وأن إيران قد تنقل عملياتها إلى مواقع تحت الأرض أكثر أمانًا.

القضية الفلسطينية… الحاجز الأكبر أمام التطبيع

لا تزال القضية الفلسطينية العقبة الأكبر أمام توسيع اتفاقيات إبراهام. المملكة العربية السعودية أعلنت صراحة أنها لن تُقدِم على التطبيع دون التزام صريح بقيام دولة فلسطينية. غير أن حكومة نتنياهو المتطرفة تركز على الحسم العسكري بدلًا من التفاوض، خصوصًا في غزة والضفة الغربية.

الهجوم الإسرائيلي على غزة أثار غضبًا شعبيًا عربيًا واسعًا، مما جعل التطبيع مع إسرائيل مكلفًا سياسيًا لقادة الخليج، وأدى إلى تآكل دعمها الدولي، حتى من شركاء مثل الاتحاد الأوروبي.

تكاليف التطبيع السياسية على قادة الخليج

تشعر دول الخليج بالقلق من الظهور بمظهر المتواطئ مع دولة تُتهم بانتهاك الحقوق العربية. ومع غياب رؤية واضحة لغزة بعد الحرب واستمرار الهجمات، تزداد عزلة إسرائيل، ويصعب تصور قيادتها الإقليمية في ظل هذه الظروف.

حتى الانتصارات العسكرية التي تدعيها إسرائيل تأتي على حسابات إنسانية واقتصادية باهظة. وفي ظل غياب سلطة فلسطينية شرعية تتولى إدارة غزة، تزداد الفوضى، وتظهر قوى مقاومة جديدة، ما يعيد إلى الأذهان إخفاقات واشنطن في العراق وأفغانستان.

الخليج يعيد الحسابات

تخشى دول الخليج من أن تؤدي أي مواجهة إيرانية إسرائيلية مفتوحة إلى فوضى عابرة للحدود، تشعل الأزمات وتفاقم تدفقات اللاجئين والانتشار النووي. بدأ العديد من هذه الدول، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بإعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، متجهة إلى سياسات تحوّط وتوازن مع طهران بدلًا من الانخراط في تحالف ضدها.

تركيا: لاعب مستقل وتحدٍّ للهيمنة الإسرائيلية

أما تركيا، فترفض الهيمنة الإسرائيلية، وقد انتقلت من “العصر الذهبي” في التسعينيات إلى الشك المتبادل. وتُصعّد أنقرة لهجتها ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة، وتبني قدراتها الصاروخية والعسكرية، مكرسة نفسها كقوة إقليمية مستقلة ووسيط محتمل بين طهران وتل أبيب.

رؤية هشة ونهاية الهيمنة؟

رؤية إسرائيل الكبرى التي روّج لها ترامب ونتنياهو، والتي تعتمد على القوة وحدها لتشكيل الشرق الأوسط، تواجه مقاومة إقليمية وتحديات داخلية وإخفاقات استراتيجية. إن تآكل الدعم الدولي، وتصاعد الغضب العربي، وتنامي التحوّط الخليجي، كلها مؤشرات على أن حلم “السلام من خلال الهيمنة” يتحول إلى عبء سياسي ودبلوماسي يصعب تحمله.

لندن – اليوم ميديا

    اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن. 

    جميع الحقوق محفوظة © ARAB PRESS HOUSE