محمد بن زايد في أنغولا: كيف تعيد الإمارات رسم خريطة النفوذ في أفريقيا؟

زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى أنغولا تمثل محطة استراتيجية مهمة في مسار الحضور الإماراتي بالقارة الأفريقية.
وتأتي هذه الزيارة، الأولى من نوعها لرئيس إماراتي، في إطار سياسة إماراتية نشطة تهدف إلى تعزيز الاستثمار طويل الأمد، تطوير البنية التحتية، وربط الأسواق اللوجستية والطاقة بين البلدين. كما توفر الزيارة فرصة لتقييم قدرة الشراكات الاقتصادية على تحقيق تنمية مستدامة في أنغولا، في وقت يسعى فيه الغرب إلى إعادة ترتيب تحالفاته الاقتصادية في القارة.
ما الذي تعنيه الزيارة الآن؟
بدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، زيارة دولة إلى أنغولا، حيث حظي باستقبال رسمي في قصر الرئاسة في لواندا. وتؤطر الزيارة مسارًا متدرجًا من التقارب السياسي والاقتصادي بين أبوظبي ولواندا، وتضع «العلاقات الإماراتية–الأنغولية» ضمن سياسة إماراتية نشطة تجاه أفريقيا، قوامها الاستثمار طويل الأمد وتعزيز الربط اللوجستي والطاقة.
اقتصاد وسياسة: لماذا تُعد أنغولا محطة مهمة؟
أنغولا منتج نفطي كبير وعضو في «أوبك»، وتسعى منذ سنوات إلى تنويع مصادر الدخل وتحديث بنيتها التحتية. وفي هذا السياق، تبرز الموانئ واللوجستيات والطاقة المتجددة كمجالات طبيعية للتعاون مع الإمارات. فقد أطلقت «مجموعة موانئ أبوظبي» مشروع إدارة وتطوير محطة متعددة الأغراض في ميناء لواندا بموجب امتياز مدته 20 عامًا، مع التزام استثماري مبدئي يبلغ نحو 250 مليون دولار حتى عام 2026، مع إمكانية الزيادة لاحقًا. يهدف المشروع إلى تحويل لواندا إلى عقدة لوجستية تخدم الداخل الأنغولي وسلاسل الإمداد الإقليمية.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن «شركات مثل موانئ أبوظبي ومصدر تستخدم استثماراتها في أفريقيا كبوابات اقتصادية وأدوات لربط الخليج بالأسواق الأفريقية الصاعدة».
البنية التحتية أولاً: من الميناء إلى المنظومة اللوجستية
لا يقتصر الحضور الإماراتي على تشغيل الرصيف، بل يشمل شراكات في الخدمات اللوجستية البرية والتخزين والتخليص الجمركي، ما يعزز قابلية السوق الأنغولي لجذب الاستثمارات الصناعية والتجارية.
وتقول الباحثة إميلي شارب من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR): «الحضور الإماراتي يعكس توجهًا جديدًا لشركاء أفارقة يبحثون عن تمويل سريع وخبرة تشغيلية، لكنه يفرض على أوروبا التكيف والبحث عن شراكات تكاملية بدلاً من المنافسة». هذا التحليل يعزز فكرة أن الإمارات تبني شبكات لوجستية متكاملة في أفريقيا تمنحها وزناً مضاعفًا في التجارة العالمية.
الطاقة المتجددة: موطئ قدم يتعمق
على خط موازٍ، وقّعت «مصدر» اتفاقات في أنغولا لتطوير محطة شمسية بقدرة 150 ميغاواط، إضافة إلى اتفاق إطار لمشروعات تصل إلى 2 غيغاواط. وبالنسبة لبلد يعتمد على النفط، فإن إدخال قدرات في مجال الكهرباء النظيفة يقلل من تقلبات الإيرادات ويعالج فجوات الوصول إلى الطاقة في الأقاليم الداخلية.
ويؤكد الباحث الإيطالي فرانشيسكو سورينتينو من المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) أن «الاستثمار الإماراتي في الموانئ والطاقة بأفريقيا لا ينفصل عن بعد جيوسياسي يتعلق بتأمين طرق التجارة وإمدادات الطاقة».
كيف يقرأ الغرب هذه الزيارة؟
تحليلات غربية حديثة تضع التحرك الإماراتي نحو أفريقيا ضمن إطار «جيو–اقتصادي» خليجي أوسع. وتُعد الإمارات الأكثر تقدّمًا في بناء شبكات موانئ ولوجستيات ومناطق اقتصادية، مع زخم واضح في مجالات الطاقة والمعادن الاستراتيجية.
ويرى الباحث عمر محمود من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) أن «أنغولا قد تصبح عقدة استراتيجية ضمن الشبكة الإماراتية الممتدة من البحر الأحمر إلى الأطلسي، مما يمنح أبوظبي نفوذًا بحريًا وتجاريًا واسع النطاق». أما البروفيسور جوناثان هيل من كلية كينغز كوليدج لندن فيشير إلى أن «الإمارات تبني سياسة خارجية في أفريقيا تتمحور حول البنية التحتية والموانئ، وهو مسار أكثر استدامة من المقاربات الغربية التقليدية التي ركزت على المساعدات».
مكاسب متبادلة… وحدود واقعية
بالنسبة لأنغولا، توفر الاستثمارات الإماراتية تمويلاً وخبرة لتطوير الموانئ والقدرات اللوجستية، وتسريع ربط الاقتصاد بالأسواق الإقليمية والدولية، إضافة إلى إدخال الطاقة المتجددة لتخفيف الضغط على شبكة كهرباء تعاني من تقلبات. كما تساعد الاستثمارات طويلة الأجل على تحسين تصنيف المخاطر وتخفيض تكاليف رأس المال. أما بالنسبة للإمارات، فتكمن المكاسب في تعميق حضورها في سلاسل التوريد والتجارة بجنوب الأطلسي، وتأمين مسارات للسلع والمعادن الحيوية، إلى جانب خلق فرص لشركاتها في التشييد والخدمات وإدارة المناطق الاقتصادية.
وتوضح الباحثة إميلي شارب أن «هذه المقايضة – رأس مال مقابل إصلاحات ونفاذ سوق – تشكل نموذجًا إماراتيًا جديدًا في أفريقيا».
تحفّظات غربية ينبغي رصدها
في المقابل، أشارت صحف ومراكز بحث أوروبية وأمريكية إلى مجموعة من الملاحظات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، مثل أهمية الالتزام بمعايير حوكمة شفافة، وإجراء تقييمات بيئية واجتماعية دقيقة، وتجنب تسييس الأصول الحيوية مثل الموانئ. وحذرت صحيفة «الغارديان» من أن «نجاح هذه الشراكات يعتمد على الشفافية واحترام حقوق المجتمعات المحلية وضمان استدامة الديون». وبالنسبة للإمارات، يُبرز ذلك أهمية إدارتها لهذه الجوانب بمسؤولية ومرونة، بما يضمن تحقيق الفائدة المتبادلة وتعزيز الشراكة الطويلة الأمد مع أنغولا.
«الزيارة» ضمن سياسة إماراتية نشطة
تتماهى زيارة الدولة مع رسالة إماراتية أوضح في السنوات الأخيرة: أن العمل مع أفريقيا ليس حكراً على الغرب، بل هو خيار استراتيجي يتطلب جرأة وتخطيطًا وبناء ثقة طويلة الأمد. وتعكس التحركات في لواندا طبيعة هذا النهج: مشاريع ملموسة في البنية التحتية والطاقة تُترجم سريعًا إلى مكاسب نمو وتشغيل، وتمنح العلاقات ثِقلاً مؤسسيًا يتجاوز حدود الدبلوماسية الرمزية.
الخلاصة
الزيارة تُرسخ الشراكة الإماراتية–الأنغولية في لحظة تتقاطع فيها احتياجات أنغولا التنموية مع قدرات الإمارات التمويلية والتشغيلية. ويقاس نجاحها بمدى قدرة الطرفين على تحويل الوعود إلى مشاريع منجزة ضمن جداول زمنية واقعية، وبمدى حماية المنافع العامة عبر الحوكمة والشفافية. وإذا تحققت هذه الشروط، قد تصبح لواندا نموذجًا عمليًا للسياسة الإماراتية النشطة في أفريقيا: استثمار يفتح أسواقًا ويعزز الثقة، وشراكة يمكن التعويل عليها لدى الحكومات والمستثمرين والمجتمعات المحلية على حد سواء.
أبوظبي – محمد فال معاوية