هل يقترب الشرق الأوسط من تحالف غير متوقع يغيّر قواعد اللعبة؟

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة وتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية، يبدو أن الشرق الأوسط يمر بلحظة فاصلة قد تغيّر موازين القوى التقليدية. ومن التساؤلات التي باتت تحوم حول المنطقة: هل نشهد ولادة تحالف غير متوقع بين أطراف كانت سابقًا على خلاف؟ تحالف قد يعيد رسم خارطة النفوذ ويعيد ترتيب أولويات القوى الكبرى، بعيدًا عن التأثير الأمريكي والإسرائيلي التقليديين. ومع تصاعد التوترات في مناطق الصراع الرئيسية، تتزايد التكهنات حول إمكانية تشكيل شراكات جديدة قد تعيد كتابة قواعد اللعبة السياسية في الشرق الأوسط.

الصراعات الإقليمية وحروب الوكالة

تتصاعد النقاشات حول إمكانية قيام تحالف عربي–تركي–إيراني ينهي الحروب في الشرق الأوسط، ويوقف التدخلات الخارجية، ويضع حدًا للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في مرحلة حرجة تهدد مستقبل شعوب المنطقة. ويرى خبراء أن التنسيق بين المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر قد يُحدث تغييرًا جذريًا في الديناميات الجيوسياسية، ويقود المنطقة نحو تعددية أقطاب جديدة تقلل من احتمالات الصراع، رغم التحديات التاريخية والمنافسات المستمرة.

أبرز مظاهر هذا التنسيق المحتمل تشمل الحد من الصراعات الإقليمية وإنهاء الحروب بالوكالة. فقد تنافست السعودية وإيران تاريخيًا على النفوذ، ما أدى إلى تأجيج النزاعات في سوريا واليمن والعراق ولبنان، بينما انخرطت تركيا في الصراع السوري بدوافعها الخاصة. ومن المتوقع أن تسهم الجهود المشتركة في خفض الدعم للفصائل المسلحة، ما قد يؤدي إلى تراجع العنف وفتح المجال أمام حلول سياسية أكثر استدامة.

إعادة إعمار سوريا ولبنان

مع انهيار النظام السابق في سوريا، أصبح هناك مجال لإعادة صياغة السياسات الإقليمية تجاه دمشق. بدأت السعودية ودول الخليج بالفعل دعم الحكومة السورية الجديدة، ويمكن لرأس المال الخليجي أن يساهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري. كما أن التعاون بين السعودية وتركيا وإيران قد ينعكس إيجابًا على لبنان عبر دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، مما يتيح فرصًا أكبر للنمو والتنمية في البلاد.

التعاون الاقتصادي والترابط الإقليمي

تشكل الحوافز الاقتصادية قوة دفع رئيسية لأي تحالف محتمل في المنطقة. فدول الخليج تمتلك استثمارات تقدر بحوالي 12 تريليون دولار يمكن توجيهها نحو مشاريع البنية التحتية والصناعات في تركيا ومصر والعراق وسوريا، بدلًا من الاقتصار على الأسواق الغربية.

تركيا بدورها تسعى لتعزيز حضورها في العراق من خلال مشروع طريق التنمية، بينما تستفيد من الغاز الإيراني الرخيص والتمويل الخليجي لدعم الصناعات المحلية. هذا التكامل الاقتصادي يعزز العلاقات بين الدول الثلاث ويخلق شبكة متينة من المصالح المشتركة.

رؤية السعودية 2030 واستقرار المنطقة

نجاح رؤية السعودية 2030 يعتمد بشكل كبير على بيئة إقليمية مستقرة. فالاستقرار وزيادة التجارة البينية سيدعمان خطط تنويع الاقتصاد، بينما يمنح التعاون مع تركيا تقنيات صناعية متطورة ويتيح تقليل الإنفاق الضخم على صفقات السلاح الغربية عبر تطوير الصناعات العسكرية المحلية بدعم خليجي.

إيران بين القيود والفرص

على الرغم من أن إيران ليست جزءًا مباشرًا من بعض الممرات التجارية الإقليمية، فإن تخفيف التوتر بين طهران من جهة والسعودية وتركيا من جهة أخرى يفتح الباب أمام مشاركتها في مبادرات اقتصادية أوسع، مستفيدة من موقعها الجغرافي ومواردها الضخمة في قطاع الطاقة.

تحالف أمني جديد يردع إسرائيل

يمكن أن يسهم المحور السعودي–الإيراني–التركي في صياغة إطار أمني جديد للمنطقة يحد من نفوذ إسرائيل ويقلل التدخلات الخارجية. فالدول الثلاث تشترك في المخاوف من الجماعات المتطرفة وعدم الاستقرار، بينما تمثل اتفاقية استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بوساطة صينية في مارس 2023 مؤشرًا على استعداد الطرفين للتعاون الأمني.

كسر الهيمنة الخارجية

إن ظهور تحالف إقليمي قوي سيقلل حتمًا من تأثير القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا في شؤون المنطقة. ومع أن واشنطن لا تزال شريكًا أمنيًا مهمًا لدول الخليج، فإن بروز جبهة عربية–تركية–إيرانية يعزز الاستقلالية الإقليمية ويمنح المنطقة قدرة أكبر على صياغة مصيرها بعيدًا عن الضغوط الغربية.

التغلب على الاختلافات الطائفية والسياسية

رغم التباينات المذهبية بين السعودية السُنيّة وإيران الشيعية، تبدو القيادة السعودية الشابة أكثر براغماتية، ما يفتح الباب أمام تجاوز الخلافات الطائفية. كما يمكن للتعاون الثلاثي أن يُبسط العلاقات المعقدة مع تركيا، ويحويل الاختلافات التاريخية إلى نقاط قوة على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي.

نحو شرق أوسط جديد؟

قد يبدو الحديث عن تحالف عربي–تركي–إيراني حلمًا بعيد المنال، لكنه ليس مستحيلًا في ظل الظروف الحرجة التي يعيشها الشرق الأوسط. فالنسيج الجديد من التنسيق بين السعودية وإيران وتركيا ومصر قد ينقل المنطقة من صراعات صفرية إلى شراكات واقعية قائمة على المصالح، ما يمهد لبداية مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي ويحد من الحروب بالوكالة، ويضع أسسًا لاستقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى