أسطورة “يهودا والسامرة”: كيف يحوّل الاحتلال التوراة إلى أداة لدفن الضفة الغربية

تعمل إسرائيل، بدعم غربي، على فرض مصطلح يهودا والسامرة بدل الضفة الغربية لإضفاء بعد ديني توراتي على مشروع استيطاني استعماري طويل الأمد. هذا الخطاب يشرعن الضم التدريجي ويحوّل الصراع من سياسي على الأرض والموارد إلى معركة “وجودية” بلغة توراتية.
مشروع استيطاني في قلب الخليل
وافقت سلطات الاحتلال على بناء مئات الوحدات الاستيطانية بجوار المسجد الإبراهيمي، الذي حُوِّل بمعظمه إلى كنيس يهودي. الخطوة تعكس استراتيجية إسرائيل في تحويل المواقع الدينية إلى أدوات سياسية واستيطانية، بما يرسّخ تهويد المدينة ويقوّض وجود الفلسطينيين.
الأرض التوراتية كذريعة استعمارية
النواة الأيديولوجية للصهيونية تقوم على فكرة أن يهودا والسامرة إرث تاريخي حصري لليهود. لكن علماء آثار، مثل البروفيسور رافي غرينبيرغ، يفندون هذا الادعاء، مؤكّدين أن فلسطين كانت عبر التاريخ فسيفساء حضارية: كنعانية، رومانية، بيزنطية، مسيحية وإسلامية. هذا ينسف أسطورة “الحق الحصري” ويكشف تسليح علم الآثار في خدمة الاحتلال.
تطور السيطرة الإسرائيلية على الضفة
- 1948 – 1967: الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية، وإسرائيل تتعامل مع المنطقة كتهديد أمني محتمل.
- 1967 (النكسة): الاحتلال المباشر وتحوّل الضفة إلى مركز إستراتيجي.
- سياسة الجسور المفتوحة: موشيه ديان سمح بتدفق البضائع والأشخاص عبر الأردن لتخفيف العبء عن إسرائيل وتشجيع “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين.
- خطة ألون: ضم غور الأردن ومحيط القدس، وإعادة المناطق المكتظة إلى الأردن ضمن أي تسوية.
- السبعينيات – الثمانينيات: إنشاء “اتحادات قروية” لتقويض نفوذ منظمة التحرير، لكنها فشلت مع اندلاع الانتفاضة الأولى.
- التسعينيات (أوسلو): تقسيم الضفة إلى مناطق (أ، ب، ج)؛ المنطقة (ج) تمثل أكثر من 60% وتحت السيطرة الكاملة للاحتلال، ما منح إسرائيل اليد العليا في الأرض والموارد.
الحرب القانونية والجرافات
بعد أوسلو، تركّزت الاستراتيجية الإسرائيلية على إحكام السيطرة عبر:
- توسيع الاستيطان في المنطقة (ج).
- تعديل القوانين مثل قانون الآثار (1978) لشرعنة الهيمنة.
- استخدام علم الآثار لإنتاج روايات مصطنعة.
- فرض هندسة ديموغرافية تضمن تفوق المستوطنين على السكان الأصليين.
نحو “أرض إسرائيل التوراتية”
المحصلة هي محو تدريجي للهوية السياسية والجغرافية الفلسطينية، وفرض واقع لا رجعة فيه يمكّن إسرائيل من استيعاب الضفة ضمن “أرض إسرائيل التوراتية”. إنها عملية ضم زاحف بطيئة، لكنها منهجية ومدعومة من الغرب، تقطع أوصال المشروع الوطني الفلسطيني وتثبّت نظام فصل عنصري دائم.
لندن – اليوم ميديا