تحليل: اعتراف حلفاء أميركا بدولة فلسطينية يشكّل تحدياً لترامب

امتد الإحباط الدولي المتزايد من سياسة الولايات المتحدة في حرب غزة إلى العلن في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، حيث أعلنت مجموعة من حلفاء واشنطن، من بينهم بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا، اعترافها بدولة فلسطينية. هذه الخطوة اعتُبرت اختباراً كبيراً لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.

فبعد أن وعد في بداية ولايته الثانية بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس بسرعة، بدا ترامب وكأنه يقف موقف المتفرج مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وتردده في ممارسة الضغط على أبرز حلفاء أمريكا في المنطقة.

نتنياهو يفاجئ ترامب بضربة عسكرية

المشهد تعقد أكثر حين فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب بهجوم على قيادات حماس في قطر مطلع الشهر، ما أفشل أحدث محاولات الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. ومنذ ذلك الحين، شنت إسرائيل هجوماً برياً على غزة لم تعترض عليه واشنطن، رغم الانتقادات الدولية الواسعة للأزمة الإنسانية المتفاقمة، بحسب رويترز.

حلفاء واشنطن يتحدّون معارضة ترامب

إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية جاء رغم تحذيرات ترامب من أن هذه الخطوة ستكون “هدية لحماس”. لكن باريس ولندن وأوتاوا وكانبيرا شددت على أن الاعتراف سيساهم في الحفاظ على فرص حل الدولتين وإنهاء الحرب على غزة.

وقال براين كاتوليس، الباحث في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن: “لم يتمكن ترامب من تحقيق أي تقدم كبير في المنطقة، خصوصاً على صعيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. في الواقع، الوضع أصبح أسوأ مما كان عند توليه منصبه.”

ماكرون: “كلمة واحدة تكفي”

أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موقفاً حاداً، مؤكداً أن على ترامب أن يتحمل مسؤوليته. وقال من نيويورك لقناة فرنسية: “هناك شخص واحد يمكنه فعل شيء حيال ذلك، وهو الرئيس الأمريكي. لأنه ببساطة يزود إسرائيل بالأسلحة التي تسمح باستمرار الحرب.”

ويرى محللون أن تردد ترامب في الضغط على نتنياهو يعكس إدراكه لتعقيد الصراع، فيما يعتقد آخرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتصرف بما يراه مناسباً لمصالح بلاده دون أن يتمكن ترامب من كبحه.

أولويات داخلية تطغى على الملف الفلسطيني

البعض أشار إلى أن انشغال ترامب بقضايا داخلية – من بينها مقتل الناشط المحافظ تشارلي كيرك وتداعيات فضيحة جيفري إبستين – صرف انتباهه عن الشرق الأوسط. كما نشر ترامب قوات الحرس الوطني في مدن أمريكية يقودها الديمقراطيون بذريعة مكافحة الجريمة.

ورغم ذلك، التقى ترامب في نيويورك بزعماء من السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان، حيث توقعت تقارير أنه سيعرض خطة أمريكية لإدارة غزة بعد الحرب دون مشاركة حماس، مع حث الدول العربية على المساهمة بقوات أمنية.

دعم مطلق لإسرائيل رغم الاعتراف الدولي

ورغم نفاد صبره أحياناً من نتنياهو، أكد ترامب في خطابه بالأمم المتحدة أنه غير مستعد للتراجع عن دعمه لإسرائيل. واعتبر أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية لا يؤدي إلا إلى “استمرار الصراع” من خلال مكافأة حماس.

من جانبها، أصرت فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا أن الاعتراف ضروري لإنقاذ حل الدولتين وإنهاء الحرب. ووفق محللين، فإن موقفهم شكل رسالة غير مباشرة لترامب بأن العالم لم يعد يصبر على النهج الأمريكي.

فيتو أمريكي يحمي إسرائيل

تواصل الولايات المتحدة لعب دور الدرع الدبلوماسي لإسرائيل في الأمم المتحدة. فقد استخدمت واشنطن حق النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة. ومع ذلك، لم يبد ترامب أي نية لاستخدام نفوذه لكبح نتنياهو، حتى بعد قصف إسرائيل لمكتب حماس في قطر.

اتفاقات إبراهيم في مهب الريح

الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة أضعف آمال ترامب في توسيع اتفاقات إبراهيم التي كان يعدها من أبرز إنجازاته في السياسة الخارجية. وتدرس إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، في خطوة تهدد بتقويض الاتفاقات وربما تدفع الإمارات لتعليق عضويتها.

ويرى خبراء أن أي خطوة لضم الضفة قد تغلق الباب أمام انضمام السعودية إلى الاتفاقات، إذ لن يمضي نتنياهو قدماً دون ضوء أخضر من ترامب، الذي لم يحدد موقفاً واضحاً بعد.

وقال جوناثان بانيكوف، المسؤول السابق في المخابرات الوطنية الأمريكية: “سيسمح ترامب علناً لنتنياهو بفعل ما يراه مناسباً، لكن في الكواليس قد تمارس إدارته بعض الضغوط المحدودة.”

زر الذهاب إلى الأعلى