اعتذار إسرائيل لقطر يكشف تصاعد نفوذ الدوحة على الساحة العالمية

في تحول يوصف بأنه غير مسبوق، قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارًا رسميًا لدولة قطر عن الهجوم الجوي على العاصمة الدوحة الذي أسفر عن مقتل ضابط أمن قطري وعدد من عناصر حركة حماس. الاعتذار الذي تم بوساطة أميركية أعاد خلط الأوراق في المشهد الإقليمي، وطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقات الخليجية–الإسرائيلية ودور الدوحة كوسيط لا غنى عنه في ملف غزة.

أبعاد الاعتذار: ما وراء الكلمات

الاعتذار العلني يمثل تنازلًا نادرًا من إسرائيل أمام دولة خليجية، وهو في ذاته اعتراف غير مباشر بالخطأ الاستراتيجي المتمثل في توسيع رقعة الصراع إلى أراضٍ لم تكن جزءًا من ميدان العمليات. بالنسبة للدوحة، ما جرى لم يكن مجرد حادث أمني بل انتهاك لسيادة دولة مستقلة، والاعتذار يرمز إلى إعادة التوازن بين طرف صغير جغرافيًا لكنه مؤثر سياسيًا، وقوة عسكرية كبرى تجد نفسها في مأزق دبلوماسي.

الدوحة: الوساطة كأداة قوة

منذ سنوات، بنت قطر سمعتها الدولية عبر استثماراتها في ملفات الوساطة: من أفغانستان إلى دارفور، ومن لبنان إلى غزة. الاعتذار الإسرائيلي، برأي محللين غربيين، جاء ليعزز صورة الدوحة كدولة قادرة على فرض شروطها على طاولة السياسة الدولية.

هذا الموقف لا يرتبط فقط بالكرامة الوطنية، بل بالحرص على حماية “أصل دبلوماسي” ثمين: الوساطة. فبدون قطر، يصعب على واشنطن وتل أبيب المضي في أي مسار تفاوضي مع حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية.

انعكاسات على الداخل القطري: السيادة قبل كل شيء

على المستوى الداخلي، يظهر الاعتذار بمثابة انتصار رمزي. قطر، الدولة الصغيرة مساحة، أظهرت أنها قادرة على إجبار قوة إقليمية كبرى على التراجع والاعتراف بخطئها. وفي الأوساط الشعبية، بات الاعتذار مرتبطًا بالثقة في أن دماء أبنائها – مثل ضابط الأمن القطري الذي قُتل في الضربة – لم تُهدر.

المأزق الإسرائيلي: بين الخارج والداخل

إسرائيل، من جانبها، تواجه تحديًا مزدوجًا:

  • خارجيًا، أرغمتها الضغوط الأميركية والدولية على تقديم اعتذار، وهو ما يكشف عن هشاشة موقفها في الإقليم بعد “هجوم الدوحة”.
  • داخليًا، يضع الاعتذار نتنياهو أمام انتقادات حادة من شركائه في اليمين المتشدد الذين ينظرون لأي تراجع باعتباره مساسًا بمصداقية الحكومة.

هذا التناقض بين متطلبات السياسة الخارجية وضغوط السياسة الداخلية يمثل واحدًا من أخطر التحديات أمام القيادة الإسرائيلية اليوم.

الزاوية الدولية: ردود فعل متباينة

في العواصم الغربية، اعتُبر الاعتذار الإسرائيلي خطوة إيجابية لكنها غير كافية. دبلوماسيون أوروبيون حذروا من أن “الاعتذار لا معنى له ما لم يتبعه التزام واضح بعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات”. أما الأمم المتحدة، فركزت على أن أي مسار تفاوضي نحو غزة يحتاج إلى ضامن موثوق، وهو ما يجعل قطر “لا غنى عنها” في هذه المرحلة.

أصوات من الشارع: بين الأمل والشكوك

على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسمت الآراء. البعض اعتبر أن الاعتذار قد يفتح صفحة جديدة من العلاقات الخليجية–الإسرائيلية، بينما رأى آخرون أن الخطوة لا تعدو كونها مناورة سياسية قصيرة الأمد لامتصاص الغضب. مواطن قطري كتب: “نقبل الاعتذار لكننا لن ننسى الدماء التي سالت”. وفي المقابل، ناشط فلسطيني في غزة علّق: “الدوحة أقوى اليوم، لكن إسرائيل لم تغيّر سياساتها بعد”.

سيناريوهات المستقبل: ما الذي ينتظر المنطقة؟

المصالحة المشروطة: إذا تحوّل الاعتذار الإسرائيلي إلى التزام عملي يرافقه ضمانات واضحة بعدم تكرار الانتهاكات، فقد تعود قطر إلى قلب مشهد الوساطة، لتُعيد فتح نافذة أمل نحو تهدئة طويلة الأمد في غزة. مثل هذا السيناريو قد يرسم ملامح مرحلة جديدة تُخفّف منسوب التوتر وتعيد خلط أوراق اللاعبين الإقليميين.

المأزق المستمر: لكن إذا بقي الاعتذار خطوة رمزية بلا رصيد فعلي، فإن الانسداد السياسي سيتعمّق أكثر، وعزلة إسرائيل ستتسع، فيما يظل خطر الانفجار والتصعيد قائمًا في كل لحظة. وهنا تتحول لحظة الاعتذار من فرصة للتغيير إلى شاهد على عجز المنظومة السياسية عن تجاوز أزماتها البنيوية.

قطر كلاعب لا يمكن تجاوزه

اعتذار إسرائيل لقطر لم يكن فقط حدثًا دبلوماسيًا عابرًا، بل رسالة سياسية بليغة: الدوحة اليوم لاعب أساسي في معادلات الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزه أو تجاهله. وبينما يترقب الجميع الخطوات القادمة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يتحول الاعتذار إلى بداية مرحلة جديدة أكثر هدوءًا، أم يظل مجرد مناورة قصيرة العمر في صراع طويل الأمد؟

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى