عامان بعد هجوم حماس على إسرائيل: اللحظة التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط

في السابع من أكتوبر 2023، أطلقت حركة حماس هجومًا غير مسبوق على إسرائيل، أشعل واحدة من أعنف الحروب في الشرق الأوسط منذ عقود. منذ ذلك اليوم، لم تعد خرائط النفوذ كما كانت. بين غزة ولبنان والبحر الأحمر، وبين طهران وتل أبيب، بدأت تتشكل موازين قوة جديدة وسط صراعات عسكرية وسياسية ودبلوماسية، مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة وتصاعد دور الصين بحسابات دقيقة.

إسرائيل: انتصار تكتيكي وخسارة الصورة

عسكريًا، نجحت إسرائيل في تفكيك جزء كبير من البنية العسكرية لحماس واستعادة “قدرة الردع”. لكن الانتصار جاء على حساب صورتها الدولية.
تقرير معهد الدراسات الأمنية الوطني في تل أبيب (INSS) يؤكد أن إسرائيل “خرجت أكثر قوة ميدانية، لكنها أضعف استراتيجيًا”.

احتجاجات ضد حرب إسرائيل على غزة

ويرى مايكل نايتس من معهد واشنطن أن إسرائيل “ربحت المعارك وخسرت المعركة الرمزية، إذ لم تعد تُرى كدولة تدافع عن نفسها بل كقوة مفرطة في استخدام العنف”.

حماس: بقاء الفكرة مقابل خسارة الأرض

حققت حماس صدمة تكتيكية، لكنها تكبدت خسائر كبيرة في غزة.
يقول ناثان براون من مركز كارنيغي للشرق الأوسط إن “حماس لم تُهزم كفكرة لكنها فقدت السيطرة على الأرض، وتحولت إلى حركة مقاومة بلا إدارة فعلية للقطاع”.

تظل الحركة عنصرًا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية فلسطينية مستقبلية، رغم الانتقادات الشعبية والضغط الإنساني الهائل.

إيران وحزب الله: نفوذ متراجع وخسائر استراتيجية

بعد الهجوم، تكبدت إيران خسائر ملموسة في نفوذها الإقليمي. سقوط نظام الأسد في سوريا وتولي قوى محلية جديدة القيادة أدى إلى فقدان طهران السيطرة على حليف استراتيجي، بينما أصبح حزب الله ضعيفًا أمام التحديات الداخلية والخارجية في لبنان.

كما أضعف الهجوم قدرة إيران على الحفاظ على أذرعها الإقليمية في الدول التي كانت تسيطر عليها جزئيًا، بما في ذلك اليمن والعراق ولبنان، ما أعاد رسم حدود تأثيرها إلى مرحلة أكثر هشاشة.

ويقول علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، إن “إيران فقدت القدرة على إدارة شبكة نفوذها التقليدية بشكل فعال، فيما يواجه حزب الله اختبارًا حقيقيًا للبقاء ضمن بيئة لبنانية متغيرة ومعقدة”.

الحوثيون: تعزيز النفوذ في البحر الأحمر

استغل الحوثيون الحرب لتوسيع نفوذهم في البحر الأحمر عبر هجمات على السفن التجارية.

ناقلة النفط “سونيون” التي ترفع العلم اليوناني بعد هجمات الحوثيين في اليمن، في البحر الأحمر

وفقًا للخبير غريغوري غوز من جامعة تكساس A&M، هذه الهجمات “منحت الحوثيين صدى إقليميًا أوسع لكنها جلبت ردودًا عسكرية غربية”.
العمليات الأميركية والبريطانية المشتركة أعادت المنطقة إلى منطق “الحروب بالوكالة”، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى.

الصين تتقدم… والولايات المتحدة تتراجع

تتراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بسبب أزمات استراتيجية، بينما تعزز الصين نفوذها بهدوء عبر الاقتصاد والدبلوماسية.
يقول ستيفن وولت من جامعة هارفارد إن واشنطن “لم تعد قادرة على فرض استراتيجياتها التقليدية”.

تقرير معهد لوي الأسترالي يؤكد أن الصين “تتبنى سياسة حياد نشط، تتعامل مع جميع الأطراف دون الانخراط العسكري المباشر، مما يعيد رسم خرائط النفوذ في الخليج”.

قطر: وسيط ذكي بين الضغوط الإقليمية

برزت الدوحة كلاعب دبلوماسي محوري، حافظ على علاقاته مع حماس وواشنطن وتل أبيب.
يقول مارك لينش من جامعة جورج واشنطن إن “قطر تتقن فن الحياد الفاعل، لكنها تبقى صلة الوصل الضرورية في أوقات التوتر”.

وخلال العامين الماضيين، تعرضت الدوحة لضربتين كبيرتين: قصف إيران لقاعدة العديد، واستهداف إسرائيل لقادة حماس في المدينة. هذه الأحداث أبرزت هشاشة موقعها الدبلوماسي، لكنها أكدت قدرتها على المناورة وإدارة مصالحها بعقلانية في صراعات معقدة.

العالم العربي: الحسابات الواقعية تتغلب على الانفعال

اتجهت العواصم العربية نحو التوازن بين المصالح والسياسة الواقعية، بعد موجات الغضب الأولية.

تقرير مركز الأهرام للدراسات السياسية يصف المرحلة بأنها “تحول من الانفعال إلى الحسابات الهادئة: لا استعداد للمغامرات، بل تركيز على الاستقرار والتنمية”.

استطلاعات الباروميتر العربي أظهرت أن أكثر من 70% يرون أن الحرب في غزة كشفت فشل النظام الدولي في حماية المدنيين، مع انخفاض الثقة في الولايات المتحدة وتصاعد النظرة الإيجابية نحو الصين وروسيا.

الإعلام: المعركة الرمزية الجديدة

تحولت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب رمزية.

وفق دراسة جامعة أكسفورد، “السردية الفلسطينية تفوقت في الفضاء الرقمي الغربي، بينما تراجع الخطاب الإسرائيلي تحت ضغط الرأي العام”.

فلسطينيون بينهم أطفال يعانون من صعوبة الحصول على الطعام بسبب الحصار الإسرائيلي والهجمات المستمرة على قطاع غزة (الغارديان)

إسرائيل فقدت إحدى أهم أدواتها: السيطرة على الرواية، بينما اكتسبت القضية الفلسطينية تعاطفًا دوليًا، خصوصًا بين الأجيال الشابة الغربية.

الشرق الأوسط يتغير

بعد عامين، لم يربح أحد الحرب بالكامل. إسرائيل قوية بالسلاح وضعيفة بالصورة؛ حماس انكمشت جغرافيًا لكنها بقيت فكرة قوية؛ إيران فقدت السيطرة على أذرعها الإقليمية؛ الولايات المتحدة تراجعت، بينما الصين تصعد بثبات؛ والعرب يسيرون على خط دقيق بين التوازن والحياد.

كما يقول جيريمي بوين من BBC: “المنطقة اليوم ليست على حافة حرب جديدة، بل في قلب ولادة نظام جديد، حيث لا يعود النصر لمن يحتل الأرض، بل لمن يملك رواية المستقبل”.

لندن – تقرير خاص بـ “اليوم ميديا”

web master

Recent Posts

حماس لأميركا: لا نخترق الهدنة.. بل نحرسها من الفوضى

في تصعيد جديد بين حماس وواشنطن، ردّت الحركة على بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي زعم…

60 دقيقة ago

صوت القنابل يعلو الهدنة.. ورفح على فوهة الغضب

تصاعدت التوترات في غزة مجددًا بعد أن شنت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات على رفح وجباليا،…

ساعة واحدة ago

بوتين يمدّ غصن الزيتون لترامب.. سلام أوكرانيا على طاولة دونيتسك

كشفت تقارير أميركية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدّم عرضًا مفاجئًا لنظيره الأميركي دونالد ترامب…

3 ساعات ago

الكوت ديفوار على حافة الحلم… حين يغازل واتارا الهدوء وتغري المعارضة العاصفة

تعيش الكوت ديفوار على وقع سباقٍ انتخابيٍّ محمومٍ، تحيط به أجواء مشحونة بالتوتر والدعاية السياسية…

18 ساعة ago

اختراق مطارات أميركا وكندا.. رسائل تشيد بحماس وتهز واشنطن

أفادت تقارير إخبارية ومسؤولون أمنيون أن هاكرز مجهولين نفّذوا عملية اختراق غير مسبوقة استهدفت أنظمة…

18 ساعة ago

صلاح.. ضحية مجد ميسي ورونالدو

قال المهاجم الإنجليزي السابق دارين بنت إن النجم المصري محمد صلاح وقع ضحية للمعايير الخارقة…

18 ساعة ago