
أضرار ناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على إيران
حصريً – إعداد: جوناثان مايرز
عقب الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت منشآت عسكرية ونووية في إيران، خرجت عواصم الخليج العربي بموقف موحد، أدان العملية ووصفها بالعدوان الصارخ وتهديد خطير للأمن الإقليمي. لكن خلف هذا الإجماع، تكمن شبكة معقدة من العلاقات المتقلبة بين طهران وجيرانها الخليجيين.
يشير كل من هاريس وستيفنز، الخبير الأمني البريطاني، وديفيد كيلر، المتخصص الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، إلى أن الحذر الخليجي ينبع من إدراك عميق بأن أي تصعيد مفتوح قد يقود المنطقة إلى أزمة كبرى تؤثر مباشرة على الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة. برأيهم، الموقف الخليجي الأخير لا يعكس انحيازاً لإيران بقدر ما يجسّد وعياً استراتيجياً بأن المواجهة الشاملة لم تعد خيارًا مقبولًا في منطقة شديدة الهشاشة.
فهل نشهد بداية اصطفاف استراتيجي جديد؟ أم مجرد لحظة تكتيكية في علاقة ملغّمة بالتوجس والصراع؟
من الثورة إلى الخنادق: عقود من المد والجزر
منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لم تعرف العلاقات بين إيران ودول الخليج استقراراً دائماً، بل مرّت بدورات من التصعيد والتهدئة. في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، دعمت أغلب دول الخليج العراق، ما دفع إيران لاعتبارها خصماً مباشراً.
اقرأ أيضا
أسوأ 5 سيناريوهات تهدد الشرق الأوسط… هل نواجه كارثة؟
حادثة مكة الدامية عام 1987 شكلت نقطة قطيعة مع السعودية. بعد وفاة الخميني، حاول رفسنجاني ترميم العلاقات، لتدخل مرحلة الانفراج مع عهد خاتمي. لكن انتخاب أحمدي نجاد عام 2005 أعاد الخطاب الثوري والتصعيد، خاصة مع الملف النووي والجزر الثلاث.
يقول، باحث خليجي متخصص في السياسات الدفاعية، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن “النمط التاريخي للعلاقة مع إيران هو نمط من الشك المتبادل، تُخفّف حدّته المصالح وتُفجّره الوقائع”، مشيرًا إلى أن “الخليج لم ينسَ دعم طهران لميليشياتها التي تسعى لزعزة بعض دول التعاون ولا سيطرة الحوثيين في اليمن”.
الجزر والنووي والميليشيات: ثلاثية عدم الثقة
رغم فترات الانفراج، بقيت 3 ملفات تتصدر توتر العلاقات:
- الجزر الثلاث: طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى، ضمتها إيران عام 1971 وتطالب بها الإمارات.
- البرنامج النووي: مصدر دائم للقلق الخليجي، خاصة مع مخاوف من سباق تسلّح إقليمي.
- التدخلات الإقليمية: دعم إيران للحوثيين، وحزب الله، وفصائل عراقية مسلحة، اعتُبر تهديداً مباشراً لأمن الخليج.
يعلّق خبير عسكري خليجي – فضّل عدم الكشف عن هويته – بالقول: “إيران تؤمن باستخدام النفوذ غير المباشر.. من لبنان إلى صنعاء. وهذا يجعل أي تقارب معها محاطًا بحقول ألغام أمنية واستراتيجية”.
اقرأ أيضا
مقابلات حصرية مع خبراء: الغرام السري وتجارة المصالح القذرة بين طهران وتل أبيب
من جهته، يرى بهمن كاظمي، الخبير الإيراني في العلاقات الإقليمية، أن “الخليج يضخم خطر إيران لأسباب تتعلق بتحالفاته مع الغرب، في حين أن طهران تدافع فقط عن مصالحها الإقليمية في ظل حصار مزمن”.
من بغداد إلى بكين: محطات في طريق التقارب
بين 2021 و2023، قادت العراق وساطة بين طهران والرياض، توّجت باتفاق تاريخي في مارس 2023 برعاية الصين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. الاتفاق أُعيد تثبيته بتبادل الزيارات، وشهد تعاوناً أمنياً واستخباراتياً في ملفات عدة.
يرى ليو شينغ، الباحث الصيني في شؤون أمن الخليج، أن “اتفاق بكين لم يكن مجرّد مصالحة، بل بداية هندسة جديدة للعلاقات الإقليمية، حيث تتقلص الهيمنة الأميركية ويتقدم منطق التوازن”.
ما بعد الضربة: صدمة في طهران وحذر في الخليج
أدانت السعودية والإمارات وقطر والكويت الضربة الإسرائيلية، وهو موقف لافت في توقيته وجوهره. فالدول التي طالما اشتكت من السلوك الإيراني، رأت في الهجوم الإسرائيلي خرقاً لقواعد الاشتباك وتهديداً لتوازنات هشة.
اقرأ أيضا
من الحرب إلى البنزين ووول ستريت.. هل يشهد العالم صدمة نفطية؟
يعلّق حسن كوشان، الباحث الإيراني في شؤون الخليج، بالقول: “الموقف الخليجي عقلاني هذه المرة، لكنه لا يعوّض عن عقود من التوجس المتبادل”، محذرًا من أن “الرهان الإيراني على أن الخليج سيقف محايدًا إذا اندلعت حرب شاملة هو رهان محفوف بالمخاطر”.
ويؤكد ستيفنز رايلي، المستشار الكندي لشؤون الأمن الدولي، أن “ما حدث يكشف رغبة خليجية في تجنيب المنطقة حربًا قد تدمر أسواق الطاقة وتعصف بتحالفات قائمة”، لكنه يضيف: “هذا لا يعني أن الخليج سيتخلى عن خيارات الردع، بل سيوازن بدقة بين المصالح والتحديات”.
قراءة مستقبلية: حذر استراتيجي لا تحالفات ثابتة
رغم الموقف الخليجي الموحد، فإن سيناريوهات المستقبل تظل مفتوحة:
- السيناريو الأول: تعزيز مسار التهدئة والانخراط في ترتيبات أمنية إقليمية تشمل إيران.
- السيناريو الثاني: تحوّل خليجي نحو التسلّح والتنسيق مع أميركا وإسرائيل سراً للردع.
- السيناريو الأخطر: انزلاق إيراني لتصدير الأزمة داخلياً عبر إشعال جبهات جديدة في الخليج.
اقرأ أيضا
بيان ناري من الأزهر بعد ضرب إيران.. ماذا حدث؟
يشدد ديفيد كيلر على أن “المنطقة دخلت مرحلة الاختبار الحقيقي: إما هندسة أمنية جماعية جديدة، أو فوضى تتنقل بين العواصم”. بينما يختم هاريس وستيفنز بالتحذير: “كل طرف يعرف أنه لا يمكنه الانتصار في حرب مفتوحة، لكن الجميع يتصرف كما لو أن خصمه لا يفهم ذلك”.
خلاصة
الخليج يرقب إيران بعين الترقب لا الثقة. التصعيد الإسرائيلي قد يعيد خلط الأوراق، لكن دول الخليج تدرك أن استقرارها يمر من بوابة التوازن لا الاصطفاف. فهل تستجيب إيران لهذا المنطق؟ أم تراهن مجددًا على اللعب على الحافة؟
الأسابيع القادمة وحدها تحمل الإجابة.