لقطة الشاشة 1446-06-03 في 7.08.33 ص

من موريتانيا

محمد فال معاوية

في الوقت الذي تنشغل فيه العواصم المغاربية بمعارك سياسية مفتوحة، جاءت موريتانيا لتفجّر مفاجأة أمنية من العيار الثقيل: تفكيك شبكة تهريب كبرى لحبوب الهلوسة كانت على وشك أن تتحول إلى طوفان مدمر يجتاح المجتمع بصمت. العملية الأمنية، التي أعلن عنها مؤخرًا، لم تكن مجرد خبر عابر، بل مؤشر خطير على وجود بنية إجرامية منظمة تنشط بهدوء في الظل، وربما بدعم يتجاوز حدود البلد.

حبوب الهلوسة، بخلاف المخدرات التقليدية، لا تُستخدم فقط للتخدير أو الإدمان، بل تتحول بسرعة إلى أداة تفتيت للعقل والوعي والانضباط الاجتماعي، خاصة حين تستهدف شبابًا يعيش في الهشاشة والفقر والفراغ. وما يزيد من خطورة الأمر، أن الكمية المصادرة كانت هائلة، ما يعني أن السوق المستهدفة لم تكن عشوائية، بل جرى إعدادها بعناية.

هل نحن أمام مشروع تخريب ممنهج؟ أم مجرد شبكة مافيوية تبحث عن الربح؟ المؤشرات تدفعنا نحو الخيار الأول، خصوصًا حين نعلم أن موريتانيا تقع على تقاطع طرق التهريب بين أفريقيا الغربية وشمالها، وتملك حدودًا رخوة وبنية أمنية محدودة الإمكانيات، ما يجعلها أرضًا مثالية لزرع الفوضى الناعمة.

هنا لا يمكن تجاهل سؤال محوري: من وراء هذه الشبكة؟

المعطيات الأولية تُظهر ضلوع جنسيات متعددة، بعضها قادم من دول مجاورة. لكن من السذاجة الاعتقاد أن عملية بهذا الحجم تقف خلفها فقط عصابة محدودة. فالمؤشرات تفيد بأننا أمام شبكة عابرة للحدود، قد تكون مرتبطة بعصابات إقليمية لها صلات نافذة، بل وربما بأجهزة أو جهات سياسية تسعى إلى زعزعة استقرار البلد من الداخل.

في مثل هذه القضايا، يكون المال وسيلة لا غاية، ويكون الهدف الحقيقي هو تفكيك المجتمعات من الداخل، وإشغال السلطات بمعارك داخلية تستهلك مواردها وتضعف حضورها.

المقلق ليس فقط وجود الشبكة، بل صمت بعض الدوائر السياسية والإعلامية عنها، وكأن الأمر تفصيل عابر. في حين أن الكارثة – لو لم تُكشف – كانت ستحرق جيلًا كاملاً من الشباب، وتُغرق البلاد في موجة من العنف، والانهيار الأخلاقي، والجريمة.

إن المجتمع الموريتاني الذي لا يزال يحتفظ ببعض تماسكه الأخلاقي، لن يصمد طويلًا أمام حرب من نوع جديد: حبوب رخيصة، مفعول مدمر، وانتشار صامت.

الكرة الآن في ملعب الدولة. فالمواجهة لا تنتهي بالمصادرة، بل تبدأ منها. المطلوب ليس فقط تفكيك الشبكة، بل تفكيك البنية الحاضنة لها، ومساءلة من سهّل عبورها، ومن صمت عنها، ومن قد يكون حماها.

أما الشعب، فعليه أن يدرك أن المعركة لم تعد فقط مع الفقر أو البطالة أو السياسة، بل مع جيوش من السموم التي تتسلل إلى عقله وأطفاله من دون أن تطلق رصاصة واحدة.

ختامًا، إذا لم نسمّ الأمور بأسمائها، ونعترف أن هناك من يسعى لتحويل مجتمعاتنا إلى خرائط مشتتة بالعقاقير، فسنبكي غدًا على شباب لم يُقتلوا بالحروب، بل بحبوب…**