
تعبيرية
✍️ المستشار / الخبير الاستراتيجي إلياس قابيل
في زمن باتت فيه قيمنا وهوياتنا تُعاد صياغتها بشكل متسارع، يظهر “الذكاء العاطفي” كمهارة ضرورية لفهم النفس والآخرين، وضبط المشاعر بحكمة. لا شك أن هذه القدرة تعد تطورًا إيجابيًا في كيفية تعاطينا مع عواطفنا، لكن ما يقلق هو كيف يمكن لهذا المفهوم أن يتحول إلى أداة لتشويه الهوية الذكورية الحقيقية، تحت ذريعة التحرر والانفتاح.
الذكاء العاطفي لا يعني أن يصبح الرجل ضعيفًا أو مفرط الحساسية، ولا أن يُنساق خلف كل موجة عاطفية. بل هو أن يكون قادرًا على فهم مشاعره، وضبط ردود أفعاله، دون أن يتخلى عن ثوابته ورجولته. للأسف، اليوم نرى حملات إعلامية وتربوية تروج لنموذج “الرجل الحساس المفرط”، وتغذي فكرة “الذكورة المذابة”، وهو ما يؤدي إلى تشويش الهوية الذكورية، وربما فتح أبواب لمفاهيم سلوكية متطرفة، تحت شعارات الحرية والقبول.
الفارق واضح بين أن نربي أبناءنا على التعاطف والوعي العاطفي المسؤول، وبين أن نفرط في تحسسهم ونفقدهم الثبات والصلابة. التربية الواعية تعلم كيف تكون رجلاً حقيقيًا: حكيمًا في الأزمات، قويًا في المواقف، متزنًا في المشاعر. لا تربي شخصًا ضائعًا بين البكاء والانهيار عند أول مشكلة.
الذكاء العاطفي الحقيقي يعزز الرجولة، لا يُلغيها. هو الذي يمنح الرجل القدرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة، دون أن يكون أسيرًا لمزاجه أو انفعالاته العابرة. أما التمييع باسم “الوعي العاطفي” فهو خطر يهدد الشخصية الذكورية، ويزيد من هزال الهوية، ما قد يفتح الباب أمام سلوكيات تتعارض مع الفطرة والهوية الأصيلة.
على الأهل والمربين أن يكونوا أكثر وعيًا وحذرًا. يجب أن نعلم أبناءنا كيف يكونون أقوياء عاطفيًا، وليس مجرد مفرطين في الحساسية. فالرجولة ليست قيدًا أو عائقًا، بل هي أساس القوة والنجاح في الحياة.
فلنحمي هويتنا وهويتهم، بالوعي والحكمة، لا بالانصياع لموجات التمييع والخلط بين الذكاء العاطفي الحقيقي وتمييع الهوية.