
من فعاليات قمة الإعلام العربي في دبي
محمد فال معاوية
من على منصات قمة دبي للذكاء الاصطناعي، بدا المستقبل الإعلامي في المنطقة أكثر قربًا من أي وقت مضى. عروض تقنية مبهرة، طموحات حكومية غير مسبوقة، وأحاديث متكررة عن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في قطاعات عدة، لا سيما الإعلام. لكن يبقى السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحرر الإعلام العربي من أزماته العميقة، أم أنه سيعيد إنتاج القيود القديمة بوسائل رقمية متطورة؟
الإعلام العربي يعاني اليوم من أزمة ثقة، وموارد مالية محدودة، وتراجع في جودة المحتوى، مما يجعل الحاجة إلى التحول الرقمي في الإعلام العربي أمرًا ملحًا. فالذكاء الاصطناعي يتيح إمكانية تحليل البيانات بشكل أسرع، وتوليد محتوى مخصص، والتحقق الآلي من الأخبار، مما يعزز من مصداقية وسرعة الإعلام.
لكن الاستخدام غير الحكيم لهذه التكنولوجيا قد يحوّلها إلى أداة ترويجية بحتة، تفقد الإعلام روحه النقدية. لذا، يجب أن يقترن الذكاء الاصطناعي بـ معايير أخلاقية واضحة وضمانات استقلالية للصحافة.
فجوة السيادة الرقمية والتبعية التكنولوجية: أحد أبرز التحديات التي تواجه الإعلام العربي هي الهيمنة الرقمية التي تظهر بوضوح في أدوات الذكاء الاصطناعي المتوفرة حاليًا. معظم هذه الأدوات، مثل نماذج اللغة الكبيرة ومحركات التوصية، من تطوير شركات غربية، مما يعمق التبعية التكنولوجية.
في هذا الإطار، تبقى الحاجة ماسة لتطوير نماذج لغوية عربية متخصصة، تعكس تنوع لغات وثقافات المنطقة، وتوفر أدوات إنتاج إعلامي مستقلة وذات جودة عالية.
الذكاء الاصطناعي فرصة تاريخية: مع ذلك، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكل فرصة غير مسبوقة للإعلام العربي، خاصة للصحفيين المستقلين والمؤسسات الصغيرة التي تفتقر إلى موارد ضخمة. فالأدوات التكنولوجية الحديثة تسمح بتوفير محتوى عالي الجودة بسرعة وبتكاليف أقل.
لكن هذه الفرصة لا تتحقق إلا من خلال استثمار حقيقي في البنية التحتية الرقمية، وتطوير الكفاءات، ودعم البحث العلمي في تقنيات الذكاء الاصطناعي العربية.
تحديات وضرورة الفعل: قمة دبي للذكاء الاصطناعي أثارت اهتمامًا عالميًا، لكنها ليست نهاية الطريق، بل بداية لمرحلة جديدة تتطلب تحركًا عمليًا من الجهات الإعلامية والحكومية والمجتمع المدني.
يجب التركيز على:
- بناء منصات وأدوات عربية مفتوحة المصدر
- ضمان شفافية الخوارزميات وعدم تحيزها
- دعم استقلالية المؤسسات الإعلامية عن النفوذ السياسي والاقتصادي
خلاصة
يُعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تحرر الإعلام العربي من قيوده التقليدية، لكنها ليست حلًا سحريًا بحد ذاته. التحرر الحقيقي يأتي من خلال تبني رؤية استراتيجية، تجمع بين التكنولوجيا والمعايير المهنية، وتدعمها إرادة سياسية واضحة.
بعد قمة دبي، حان وقت اتخاذ خطوات فعلية لبناء إعلام عربي رقمي مستقل، قوي، ومتجدد. فالذكاء الاصطناعي قد يكون مفتاح الثورة الإعلامية القادمة، ولكن يظل قرار التحرر في يد الإعلاميين أنفسهم.