
جيك وود
محمد فال معاوية
في قلب غزة، حيث تتعانق السماء مع الأرض بحزن لا يُوصف، ترقص أشباح الجوع على أنغام الحصار. هناك، حيث تُسرد قصص الحياة والموت على لسان الجدران المحطمة، انكشف الستار عن لعبة جديدة في مسرح المساعدات الإنسانية. استقالة جيك وود، الرجل الذي حمل راية مشروع الدعم الأميركي – الإسرائيلي لغزة، ليست مجرد رحيل عابر، بل صرخة مدوية تفضح تداخل السياسة مع وجع الإنسان.
وود، ذلك المحارب القديم الذي ترك ساحات الحروب ليواجه جبهة جديدة، كان يحلم بحل ينقذ ما يمكن إنقاذه، خطة توازن بين الأمن الإنساني وأمان المساعدات. لكنه اصطدم بحائط من القيود والمصالح المتضاربة، حيث لا مكان للحياد الحقيقي، ولا للصراحة التي يطالب بها الضمير الإنساني. كان عليه أن يختار بين الاستسلام لمسرحية التزييف، أو أن يرحل حاملاً في قلبه وجع ملايين العائلات المحاصرة.
هذه الاستقالة تكشف لنا بصوت مرتفع أن المساعدات الإنسانية لم تعد فقط حملًا غذائيًا أو طبيًا، بل أصبحت ساحة نزاع وميدانًا لتصفية حسابات سياسية. مؤسسة غزة الإنسانية، برعايتها الأميركية والإسرائيلية، رسمت خارطة توزيع تعكس أيدي قاهرة تتحكم بمصير البسطاء، الذين لم يبق لهم سوى أمل ضعيف في كسر قيود الحصار.
الغذاء الذي يصل، ولو كان قيد العبور، ليس مجرد طعام بل رسالة، تخبر العالم أن غزة ليست سوى مسرحًا لألعاب الكبار، وأن المعاناة مسألة تفاوض تتلاعب بها الأجندات. الشعب الذي يئن تحت وطأة الجوع والمرض هو الضحية الأولى لهذه السياسات، والبحث عن حياد إنساني في هذه المأساة يبدو كحلم بعيد.
في ذلك الركن المغلق، حيث تجتمع المآسي وتشتد المآسي، تبقى الأسئلة معلقة في الهواء: هل يمكن أن تكون المساعدات فعلاً مستقلة؟ هل من الممكن أن تنجو الإنسانية من بين أنياب السياسة؟ وكم من أرواح ستذهب ضحية هذه التوازنات الهشة؟
استقالة وود ليست نهاية قصة، بل بداية سرد جديد عن غزة المحاصرة، عن مقاومة الحياة في وجه الحصار، وعن صراعات تخفي خلف وجوهها الحزينة سياسات قاسية لا تعرف الرحمة.
في زمن تُختزل فيه الإنسانية إلى أرقام شاحنات وعدد صناديق، يبقى صوت الاستقالة هذه صدى يذكرنا بأن وراء كل رقم هناك قصة، وأن غزة، رغم الألم، لن تخضع إلا لعزيمتها.