
من فعاليات قمة الإعلام العربي في دبي
خالد عمر بن ققه
في قمَّة الإعلام العربي، بَدَا المشهد في الحضور ـ كما هو في الذاكرة ــ أقرب إلى تدافع عهدناه منذ سنوات، يؤكد على تسديد الرماية الإعلامية من ” دبي” صوب العالم كله، حيث الدخول إلى مرحلة” ما بعد الجغرافيا”، طبقا لحاجة المنطقة، وسعيها لتكون جزءاً من العالم المتقدم في جميع المجالات، وصاحبة دور فاعل.
وبعيداً عن الأرقام، حيث خطاب الكم المزعج؛ والمضّلل أحيانا، فإن طرح” الكيْف أو النوعية” بدءاً من الاختيار وليس انتهاء بحرية التعبير، ميّز قمة الإعلام العربي في دورتها الثالثة والعشرين (26 ـ 28 مايو 2025م)، الأمر الذي يجب الوقوف عنده، وتحديدا في الفضاء المكاني والزماني لـ” أكاديميًّة دبي للإعلام”، كونها شكلت عالماً خاصّاً بها لم تكن فيه جزيرة معزولة، لأنها التقت وتقاطعت مع عوالم مؤسسات إعلامية أخرى.
على نحو مشهود، كشفت أكاديميَّة دبي للإعلام بما اخترته من موضوعات ومتحدثين، حرّكها، ونشّطها، وأدارها، وشارك فيها جيل من الشباب الإماراتي الواعي والواعد ـ دون غرق في المحلية الضيقة، أو الذهاب إلى” شوفينية” قاتلة، قياساً على اختيارات عصبية واهية لكثير من قادة العالم ـ على أنها شريك قي صناعة الغد الإعلامي الإماراتي والعربي، بمعزل عن الترويج لمقولات بعض المراكز البحثية المعنية باستشراف المستقبل، حتى إذا ما حل وقت استشرافها وجدناها تصدر للناس الزيف بدل الحقيقة، وتلك مسألة علينا الوقوف عندها.
هنا وًجَبَ القول: أن أكاديميّة دبي للإعلام قدّمت ـ في حال سُئلت من طرف القارئ عن مدى اسهامها في قمة الإعلام العربي؟ ــ فضاءً للحرية جمعنا أو اجتمعنا فيه للتعبير عن آرائنا ومواقفنا بما فيها تلك الحاملة لبعد سياسي، وهذا يكفيها.. صحيح هي حددت موضوعات النقاش، واختارت المشاركين، وهذا أمر طبيعي، لكنها ـ حسب ظنِّي وتجربتِي ـ لم تقيِّد أو تفرض على أحد أن ينطلق بلسانها أو التعبير على ما تكنه صدور أصحابها من توجيه، أو حتى المطالبة ـ على استحياء ـ بالتركيز على موضوع دون آخر، ولو فعل المشرفون فيها ذلك ما كان من حقّ أحد لومهم.
إذاً، أكاديمية دبي للإعلام ها هنا؛ إذا نظرنا إليها من زاوية المؤسسة والمنصة والفضاء، تدفع بنا نحو تعاون في المجال الإعلامي يُحرِّرنا من الرقيب الذاتي، لنخرج بعدها من سلطة التحكم الخارجي بكل أنواعه، وهي سلطة عمّرت طويلاً، لدرجة جعلت كثيرين في قطيعة شبه دائمة مع الحرية، دون الأخذ في الاعتبار التغيُّر في الزمان والمكان.
والحديث عن أكاديميَّة دبي للإعلام في هذا المقال لا يشمل نشاطها خلال العام كله، إنما يخصُّ ثلاثة أيام من عمرها السنوي، وفيها شكلَّت حضوراً متميِّزاُ، تحكرت فيه ضمن دوائر خمس، أولها: دائرتها المؤسساتية، وثانيها: دائرتها المحلية ممثّلة في إمارة دبي، وثالثها: دائرتها الوطنية، وتعني دولة الإمارات العربية المتحدة، ورابعها: دائرتها الخليجية ومحيط الإمارات الجواري، وخامسها: دائرتها القومية، والمقصود بها الأمة العربية.
هكذا تشكل أكاديميَّة دبي للإعلام بناءً تراكميّاً، تتَّضح في الثوابت والمتغيرات، وبذلك تحقق أمرين: الأول: الذهاب إلى الإعلام، حضورا ومشاركة واسهاما، والثاني: صناعة غد عربي وعالمي يواكب مستجدات الإعلام بكل ما فيها من تغير في المواقف، وتطور في تقنية الاتصال، وتفكير خارج الأنماط التقليدية، سواء تعلق الأمر بالحرية النسبية أو بالتحايل عنها.
لقد كنتُ، وغيري، خلال مداخلاتنا ومشاركتنا في أحاديث الأكاديمية إلى الحرية أقرب، إلا من جاء بقلب غير سليم، أو ضمير ميّت، أو عقل مظلم، أو حمل زيفاً لم يترك له فرصة لتمييز الحق عن الباطل، أو اتَّخذ الأخير سبيله عن قناعة.