
دونالد ترامب وإيلون ماسك
محمد فال معاوية
في السياسة كما في الحياة، ثمة قصص حب لا يُكتب لها الخلود، مهما بدت في البداية رومانسية وعذبة. ومن أكثر هذه القصص إثارة في السنوات الأخيرة، العلاقة العاصفة التي جمعت بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والملياردير المتمرّد إيلون ماسك. علاقة وُلدت من رحم المصالح، وتغذّت على العداء المشترك لـ«الدولة العميقة»، لكنها انتهت بطلاق سياسي لا يقل درامية عن نهايات هوليوودية مأساوية.
كتب ماسك ذات مساء، في لحظة عاطفية على منصته «إكس»: «أحب ترمب كما يحب رجل معتدل رجلاً آخر». عبارة بدت كمؤشرٍ على زواج سياسي مبارك، لكنها أخفت هشاشة العلاقة؛ إذ لم يكن التحالف قائمًا على المبادئ أو القيم، بل على التقاء نزعات فردانية ونزوات سلطة. ماسك كان يحتاج ترمب لتمرير طموحاته داخل مؤسسات الحكم، وترمب احتاج ماسك لتجميل صورته التكنولوجية أمام وادي السيليكون.
لكن المصلحة، كما في التجارة، لا تضمن الوفاء في السياسة. ومع تصادم الرؤى، بدأت الانهيارات. ترمب، الذي تمرّد على النخبة لكنه بقي أسير الحسابات الانتخابية، لم يستطع احتواء طبيعة ماسك النارية، الذي لا يعترف بمؤسسة ولا يحترم سلطة، بل يتعامل مع الدولة الأميركية كما لو كانت شركة ناشئة يمكن تغيير موظفيها بلمسة إصبع.
بلغت القطيعة ذروتها حين اتهم ماسك ترمب بالتستر على ملفات جيفري إبستين، ودعا إلى عزله لصالح نائبه جي دي فانس. عندها، لم يعد الصمت خيارًا. ترمب، المعتاد على إهانة موظفيه، حاول طرد ماسك بأسلوب ناعم، مدركًا أن خصمه هذه المرة ليس موظفًا عاديًا، بل أحد صانعي الرؤساء.
وفي مشهد يبدو مأخوذًا من مسرح العبث، أُقيم حفل وداع رسمي في المكتب البيضاوي، سلّم فيه ترمب لماسك مفتاحًا ذهبيًا تكريمًا لنهاية عهد، وتبادل الطرفان كلمات وداع دافئة، لكنّ السكاكين كانت تُشحذ خلف الكواليس.
وبينما ابتهج الديمقراطيون بهذا الانفصال السياسي المدوي، لم يفتحوا ذراعيهم لماسك. بل وُصف بـ«المجنون» و«الخطير» و«غير الموثوق»، في تصريحات بعض نواب الحزب. حتى من أبدى تعاطفًا مثل النائب رو خانا، شدّد على أن ماسك لا مكان له في هيكل الحزب الديمقراطي.
وهكذا، وجد ماسك نفسه سياسيًا بلا مأوى؛ خسر دعم ترمب، وتبرأ منه الجمهوريون، وسُخر منه الديمقراطيون، ليصبح قوة «اللانظام» داخل النظام. لا يميني بما يكفي للجمهوريين، ولا عقلاني بما يكفي للديمقراطيين، ولا منضبط بما يكفي للمؤسسات.
لكن السؤال الأعمق ليس: من خسر من؟ بل: ماذا يقول هذا الطلاق السياسي عن حال الديمقراطية الأميركية؟
هل تحولت إلى ساحة مزايدات بين الشعبويين والمليارديرات؟ وهل نحن أمام عهد جديد تتحكم فيه شخصيات مثل ماسك بمفاصل السياسة من خارج الإطار الدستوري؟
إن قصة التحالف والطلاق بين ترمب وماسك، بكل تفاصيلها الساخنة والدرامية، ليست مجرد نزاع بين شخصين نافذين، بل تجسيد لصراع الأعماق بين الدولة والفرد، بين المؤسسات والنزوات، بين الواقعية والمثالية، بين قادة يريدون تدمير النظام… كلٌّ بطريقته.
عن الكاتب:
محمد فال معاوية، كاتب وصحفي، مؤسس “بيت الإعلام العربي” في لندن، متخصص في التحليل السياسي والإعلامي.