لقطة الشاشة 2025-06-13 في 12.43.15 ص

من الهجوم الإسرائيلي على طهران

محمد فال معاوية

فجرٌ لا يشبه ما قبله بزغ اليوم على الخليج. لم تكن الضربة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع نووية وعسكرية داخل إيران مجرد تطور عابر، بل لحظة فاصلة في ميزان القوى الإقليمي.

الخليج، هذا القلب النابض للثقل الاستراتيجي والاقتصادي في الشرق الأوسط، يجد نفسه في مفترق بالغ الحساسية، وكأن الزمن توقف لحظة ليفرض مراجعة جادة للتموضع، والتحالفات، وخيارات الحضور في مشهد مضطرب.

إيران تلقّت ضربة قاسية، ليس فقط من حيث الخسائر البشرية والعلمية، بل من حيث الرمزية الجيوسياسية: إسرائيل تجاوزت قواعد الاشتباك التقليدية، معلنة ضمنيًا أن عهد التريث قد ولّى. في المقابل، ظلّ الموقف الخليجي متزنًا، حيث غلب الصمت أو الاكتفاء ببيانات مقتضبة. صمتٌ بدا في ظاهره تحفظًا، لكنه في مضمونه يحمل إشارات متعددة.

تُدرك العواصم الخليجية أن أي انفجار كبير في الإقليم لن يتوقف عند حدود طهران أو تل أبيب. فمضيق هرمز، هذا الشريان العالمي الحيوي، يقع على مرمى أي تصعيد، وأي اضطراب فيه قد ينعكس على أسواق الطاقة العالمية، ويؤثر في استقرار سلاسل الإمداد، ويضع اقتصادات المنطقة في مهبّ تذبذبات لا تُحتمل.

لكن التهديد لا يقتصر على التجارة البحرية. فهناك ساحات إقليمية حساسة كاليمن والعراق ولبنان، حيث تملك طهران أدوات غير مباشرة قد تُفعّلها كرد فعل. والخليج، وهو محاط بهذا المشهد، لا يمكن أن ينأى بنفسه عن التبعات، مهما بدا الموقف محافظًا.

قد يبدو الصمت الخليجي ظاهريًا انكفاءً، لكنه في العمق انعكاس لتوازن دقيق بين الحس السياسي والتقدير الأمني. فالدول الخليجية لا تسعى إلى التصعيد، ولا ترى في الاصطفاف الحاد مصلحة، خاصة في مرحلة تتداخل فيها الحسابات الدولية والإقليمية بشكل غير مسبوق.

إنه صمتٌ يحمل في طياته حسابات دقيقة: الامتناع عن إثارة ردود غير محسوبة، وترك الباب مفتوحًا للدبلوماسية، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على هامش المناورة في لحظة يُعاد فيها ترتيب الأوراق.

الضربة الإسرائيلية لإيران ليست إلا أحد تجليات مشهد أوسع: غزة تنزف، ولبنان على حافة الاشتعال، واليمن يئن، والسودان يمر بمنعطف وجودي. والخليج، بما يمثله من ثقل سياسي واقتصادي وروحي، ليس في الهامش، بل في صلب كل هذه المعادلات.

في ظل تقلبات الزمن وهبات القدر، يظل الخليج أمام لحظة حاسمة، حيث لا يُقاس الصمت بالضعف، بل هو أحيانًا صوت الحكمة التي تستشرف غدًا يكتنفه الغموض. كالنهر الذي لا يجري بعجلة لكنه لا يتوقف، يحتاج المستقبل إلى انسجام بين الفطنة والجرأة، بين الصبر والحسم، حتى تُنسج خيوط الأمان في نسيج الإقليم الهش.

اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن.