
يعمل أفراد الطوارئ في موقع سقوط صاروخ أطلق من إيران على مدينة حيفا في إسرائيل
خالد عمر بن ققه
الحرب الدائرة رحاها اليوم بين إيران وإسرائيل، تعيد تذكيرنا بمقولة” السّيف أصدق انباءً من الكتب”، فهي أكبر من حيث حقائقها ومعطياتها ونتائجها الميدانية من كل القراءات سواء تلك التي ظهرت في التعليقات السابقة عن هذه الحرب ـ التي شهدت جولات لمعارك متقطعة، بالوكلاء أو بشكل مباشر من الطرفين ـ ولا التحليلات السياسية والعسكرية الحالية التي تتسم بالخوض من الخبراء ـ الحقيقيين أو المزيفين ـ ولا حتى تلك التي تؤل وتفسر ما سيحدث مستقبلاً رجماً بالغيب.
في سياق الحديث عن الحرب الدائرة رحاها، حيث العبور في أجوائنا، ونحن كأن على رؤوسنا الطير، نجد أنفسنا اليوم في حالة من الضياع الحقيقي حيث طغيان النزعات الوطنية بخروج من فضاء المكان وحركة الزمان، ما يعني سيادة اعتقاد وهمي بأننا منفصلون جغرافيّاً وغير موجودين تاريخيّاً في يوميات الحرب المشتعلة، لدرجة يغيب فيها على مستوى” رد الفعل” الدفاع عن الخيارات الكبرى لمصيرنا، بما فيها تلك المتعلقة بالعقيدة والإيمان.
لا يؤرقنا سؤال: من سيوقف الحرب؟ لأننا نعرف ـ أو هكذا نتصور ـ أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على فعل ذلك إن أرادت، وهذا إقرار بالواقع لكنه لا يرقى إلى مستوى الحقيقة، لأنّ صناعة الفعل الأمريكي مرهونة بقدر معلوم، ولها أجل محدد، هي في النهاية فعل بشري عاجز عن تقرير مصائر الناس أو توجيههم إلى حيث يريد، حتى لو دانت الرقاب في معظم دول العالم للقوة الأمريكية.
وإذا كان توقيف الحرب بين إيران وإسرائيل نهاية حتميّة ـ كما هو الأمر بالنسبة لأيّ حرب في كل العصورـ بغض النظر عن المنتصر فيها، فإن مجرياتها اليوم كما تظهر في أوزارها تدفعنا إلى السؤال الآتي: متى سيكون ذلك؟
إجابة السؤال السابق، ليست مقصورة من حيث الوصول إليها أو البحث عنها من لدن المتضررين بشكل مباشر في الدولتين، ولكنها تعني شعوب العالم كله ـ بنسب متفاوتة ـ وتعنينا نحن سكان هذه المنطقة بشكل مباشر، لا لأنها تؤثر على حياتنا اليوم فقط، وإنما لأنها تتعلق بوجودنا في المستقبل المنظور، وهذا بدا واضحا في تصريحات قادة إسرائيل، حيث نظرتهم إلى الحرب مع إيران اليوم من منطق” الوجود”، وكذلك أصبحت ترى إيران حربها مع إسرائيل.
وانطلاقاً من أننا جزء من جغرافية المنطقة ومن مسارها التاريخي ـ حتى لو عُمِيت بصائر كثيرين منّا على إدراك الحقائق، ولم تبلغ قلوبهم الحناجر ـ فإننا سكان هذه المنطقة من العالم أيضا في حرب وجوديّة اليوم وغدا، ليس في مقدورنا الهروب منها، حتى لو كان اختيارنا كما هو في الخطاب الرسمي العربي ـ جنوحا للسلم.
من هنا، فإن تسويق آراء سياسية ـ محدودة من حيث الفكرة، وضعيفة من ناحية الطرح، ومرفوضة على المستوى الديني ـ سيكون مصيره الفشل، وإن حُظي بقبول وبتأييد لتصورات تحمل زخرفا من القول غرورا، ما يعني سيرنا إلى حيث سيقودنا مصيرنا المتعلق بحرب الوجود.
الوقت ليس متأخرا ـ على الأقل بالنسبة للأفراد حيث اُلْزِمَ كلّ واحد منا طائره في عنقه خلال هذه الحرب ـ لجهة الخروج من دور المتفرج، أو المنتظر للذبح والقتل من جيوش تتار ومغول العصر الحديث، باعتقاد منه أن في ذلك سلامته.
أما بالنسبة للمؤسسات والحكومات والدول فلها حسابات أخرى، منها: أن مسؤوليتها ذات صلة بما هو دنيوي، من ذلك العمل من أجل الازدهار والرخاء والتنمية، وكل ما يحقق التعمير في الأرض، سعيا لسعادة ـ وهمية أو حقيقية ـ لكن تلك الحسابات تظل ناقصة ما لم تدرك أنها لم تعد في زمن الحضور، لأنها تعيش بداية حرب الوجود التي تشعلها اليوم إسرائيل وإيران.