
ضربات جوية متبادلة بين إسرائيل وإيران (CNN)
محمد فال معاوية
في زحمة هذا الشرق المتلاطم، حيث تصطدم الأقدار وتتشابك المصائر، يقف اثنان على مفترق الطرق؛ نتنياهو، صاحب العيون الحادّة التي لا تغفل نبضات الأرض، وخامنئي، المهيمن على صخب السحب التي لا تكفّ عن الإعصار. هما ليسا مجرد أسماء، بل رمزان لمأزق أبدي: من يحكمنا؟ من يكتب لنا التاريخ؟ ومن يمسك بمفاتيح الغد؟
الحكم في هذا الشرق ليس مسألة سلطات أو حدود مرسومة، بل هو لعبة ظلّ تتراقص فيها الأرواح على أنغام الحروب والهواجس، حيث تتصارع الرغبة في السيطرة مع وجع الشعوب، ويُدفن الحُلم تحت أنقاض الصراعات.
نتنياهو هو صوت الحسم، صدى القلق الذي يصدح في ليالي تل أبيب، تجسيدٌ لنهجٍ يرى أن القوة وحدها تفرض الواقع، وأن الأمن يُبنى بصلابة الصواريخ وحنكة القرار. هو ذلك العقل الذي يرسم الخرائط بخطوطٍ من نار، متخليًا عن براءة الزهور، متشبثًا بظلال الخوف والأمل المتبادل.
أما خامنئي، فهو ظلال إيران العميقة؛ شبحٌ ينسج شبكة أيديولوجية معقّدة، يفرض من خلالها إرادته على قلوب أتباعه، يراهن على الزمن الطويل، على صبر النار تحت الرماد، وعلى الأمل الذي يولد في أحضان المعاناة. حكمه ليس مجرد سلطة، بل فلسفة صراع لا تنتهي، سردية مستمرة بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والغد.
لكن…؟
ليست المسألة مجرد صراع صاروخي عابر، بل لحظة تشظٍّ سياسي تمتحن فيها هوية المنطقة، ومعنى أن تبقى أو تختفي. إنها ليست حربًا بالوكالة فقط، ولا جولة أخرى في حلبة الشرق الأوسط. بل مرآة مشروخة تعكس كل التشققات في جدار النظام الإقليمي، وكل الكسور في خيال الشعوب عن الاستقلال والسيادة.
إسرائيل، حين تضرب، لا تستهدف قواعد الحرس الثوري فحسب، بل تضرب فكرة التمدد الإيراني، وتختبر صبر الزمن. وإيران، حين ترد، لا ترد على غارة فقط، بل على عقود من العزلة والحصار، ترد لتقول: “ما زلنا هنا، ولو برماد، ولو بخطاب”.
لكن بين الضربتين، تسقط شعوب. تهتز عواصم لا علاقة لها بالضربة ولا بالرد. يعلو التوتر في بغداد، ترتجف بيروت، تختنق دمشق، وتترقب عمّان والقاهرة، وربما — لا قدر الله — تُستدرج عاصمة عربية أخرى إلى ألسنة اللهب.
هي مواجهة من طراز ثقيل، تنذر بإعادة رسم الخريطة لا بالجغرافيا فقط، بل بالمعنى: معنى أن تكون دولة في هذه المنطقة، أو مجرّد مساحة تنتظر القرار من خارجها.
نحن العرب، لسنا طرفًا في المعركة، لكننا في قلب عواقبها. نخشى الحرب، لكننا نعيش نتائجها. نبحث عن السلام، لكننا ندفع ثمن سكوته المريب.
أنظمتنا تنظر، وتحسب، وتوازن. شعوبنا تخاف، وتتساءل، وتحلم. لكن لا أحد يملك زمام الحسم. وكأننا عالقون في نشرة أخبار لا نكتبها، ولا نُستشار فيها، لكننا نُدفن في فواصلها الدامية.
وهكذا، يتشكل المشهد: إسرائيل تسعى لإعادة ضبط قواعد اللعبة، وإيران تُقاتل للبقاء في حلبة التأثير، والولايات المتحدة ترسم حدود التفاعل بميزان المصالح، لا بميزان العدالة.
فمن يحكمنا إذًا؟