image

تجمع الناس خارج منطقة تعرضت لغارة إسرائيلية في طهران

جوناثان فريدلاند

الحرب التي نشهدها اليوم هي نتاج ثلاثة عقود من التصعيد. ففي تسعينيات القرن الماضي، كان بنيامين نتنياهو يتحدث عن تهديد القنبلة النووية الإيرانية، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن التحذير منها. لطالما اعتقد أن إيران النووية تمثل التهديد الوجودي الحقيقي الوحيد لإسرائيل، وأن القوة العسكرية هي السبيل الوحيد لردع ذلك. وعلى مدى سنوات وجوده في منصب رئيس الوزراء، تمّ التفكير والتخطيط مرات عدة لتنفيذ ضربات شاملة على المنشآت النووية الإيرانية، حتى تحقق ذلك في الساعات الأولى من صباح اليوم.

من المتوقع أن يشعر نتنياهو بالرضا عن النتائج الأولية، التي شملت القضاء على قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين بارزين. لكن العواقب النهائية قد تحمل نتائج مختلفة تمامًا، وربما يكون قد سرّع الخطر ذاته الذي كان يخشاه.

لا يصعب فهم دوافع رئيس الوزراء الإسرائيلي لضرب إيران الآن، فهي لا تزال كما كانت دائمًا: حماية إسرائيل من “محرقة نووية”، كما أكد في بيانه مستحضراً أحلك فصول التاريخ اليهودي. لكن التوقيت كان مرتبطًا أيضًا بوضع إيران الاستراتيجي الضعيف حاليًا.

لطالما ارتكز نفوذ إيران الإقليمي على حلفائها ووكلائها الذين شكلوا ما يُعرف بـ”حلقة النار” حول العدو الإسرائيلي: نظام الأسد في سوريا، حزب الله في لبنان، حماس في غزة، والحوثيون في اليمن، فضلاً عن الميليشيات الموالية لإيران في العراق. واليوم، غادر الأسد المشهد وتبنّاه دونالد ترامب، حيث توجه نحو واشنطن بدلًا من طهران. أما “الثلاثي الحاصل على حرف H” (الحوثيون، حزب الله، حماس) فقد تراجعوا: الحوثيون توصلوا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، وحزب الله يعاني من غياب القيادة ولا يزال يتعافى من الهجوم الإسرائيلي في العام الماضي، وحماس فقدت قيادتها تقريبا بعد ضربة إسرائيلية مدمرة لغزة. كما أن الرد الإسرائيلي على هجمات إيران بالصواريخ والطائرات المسيرة في أبريل وأكتوبر 2024 أضعف منظومة الدفاع الجوي الإيرانية. لذلك، قرر مخططو الحرب الإسرائيليون أن “أفضل وقت لضرب خصم ساقط هو الآن”.

في هذا التوقيت، قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سياقًا مهمًا، إذ وجدت يوم الخميس أن إيران انتهكت التزاماتها تجاه معاهدة منع الانتشار النووي للمرة الأولى منذ ما يقرب من 20 عامًا.

وبالطبع، لعبت السياسة الداخلية دورًا أيضًا. فقد نجح نتنياهو يوم الأربعاء في التصدي لتهديد تفكيك ائتلافه، محذرًا أحد الأحزاب الصغيرة الغاضبة من أن “التهديد الإيراني” يجعل هذا الوقت غير مناسب للذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ما قد يكون أثقل في حسابات نتنياهو هو الاجتماع المقرر الأحد في عُمان بين مبعوث ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، ونظيره الإيراني، في لقاء هو السادس من نوعه. هل كان نتنياهو يخشى أن تسفر هذه المحادثات عن اتفاق يشبه إلى حد كبير اتفاق أوباما قبل عقد من الزمن، الذي سمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بطريقة مقبولة لدى الولايات المتحدة، لكن غير مقبولة لإسرائيل؟ استطاع نتنياهو إقناع ترامب في 2018 بالانسحاب من ذلك الاتفاق، مستفيدًا من رغبة ترامب في تفكيك إرث سلفه. فهل كانت هناك محاولة لمنع تجديد اتفاق يوقعه ترامب؟ يبدو أن الإجابة نعم.

وبذلك، يمكن القول إن نتنياهو تحدى أكبر داعم له، الولايات المتحدة، بشكل علني. وقد دعم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هذا الطرح بتأكيده أن العملية كانت “أحادية الجانب” وأن الولايات المتحدة ليست طرفًا في الضربات ضد إيران. وهذا يتوافق مع تصريحات ترامب قبل ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلي، حين قال: “كنت أود تجنب الصراع… كنا قريبين من اتفاق مع إيران… ما دمت أعتقد بوجود اتفاق، فلا أريد أن تدخل إسرائيل لأن ذلك قد يفسده.”

ومع ذلك، أضاف ترامب بعد ذلك: “قد يساعد ذلك في الواقع”، ملمحًا إلى أن الضربة الإسرائيلية قد تدفع الإيرانيين إلى التفاوض بجدية أكثر. وبعد بدء الهجوم قال لبرنامج ABC News: “لقد كان الأمر ممتازًا… أعطينا الإيرانيين فرصة ولم يستغلوها… ضربوا بقوة، وهناك المزيد قادم.”

قد يكون ذلك مجرد محاولة من ترامب للحفاظ على ماء وجهه، لكنه حتى الآن لم يظهر أي علامة غضب من إسرائيل، ما يدعم احتمال أن تكون محادثات عُمان مجرد خطة تم الاتفاق عليها سراً لخداع طهران، وأن الولايات المتحدة ليست مجرد مراقب في هذه الحرب، بل قد تتورط أكثر.

والسؤال الأهم بعد دوافع ووقت العملية هو: هل كان هذا القرار حكيمًا؟ قد يرى البعض أن إسرائيل أخطأت في حساباتها، وأن بعض الدول العربية التي دعمتها ضد إيران سابقًا قد تتردد الآن. ولكن ربما هذا خلط بين الغضب العلني والرضا الخاص، إذ تقول مراسلة الشرق الأوسط في “الإيكونوميست” إن “الكثيرين في المنطقة سعداء بضرب إيران… اللبنانيون والسوريون واليمنيون الذين عانوا طويلاً بسبب الجمهورية الإسلامية يفرحون لرؤيتها تُجرح.”

أما من زاوية أخرى، فقد يرى البعض أن الضربة قد تكون فعالة، خصوصًا في القضاء على شخصيات رئيسية، لكنها لن تمنع إيران من تطوير القنبلة النووية. فمواقع مثل ناتنز وفوردو محمية عميقًا تحت الأرض، وما تزال صعبة الاستهداف بالأسلحة التقليدية الإسرائيلية، بل ربما تحتاج لقنابل ثقيلة أمريكية خاصة، والتي قد لا تكون كافية أيضًا.

وهناك سبب أقل ملموسًا قد يجعل العملية عقيمة: إذ من المرجح أن يتشدد المتشددون في إيران أكثر على السعي للسلاح النووي، مستفيدين من “درس كوريا الشمالية”. بعد حرب العراق، تخلت ليبيا عن برنامجها النووي، لكن القذافي انتهى مقتولًا. وأوكرانيا أيضًا تخلت عن أسلحتها النووية، لكنها تعرضت للغزو. في المقابل، احتفظ نظام كوريا الشمالية بسلاحه النووي، ولم يجرؤ أحد على المساس به.

هذا المنطق قاتم لكنه مقنع ويبدو أنه يتبلور في طهران. إذ صرحت الحكومة الإيرانية مؤخرًا بأن “العالم أصبح يفهم أكثر إصرار إيران على حقها في التخصيب والتكنولوجيا النووية والقوة الصاروخية.” وهذا يشير إلى تصعيد الموقف.

وحتى لو تعثرت إيران، فإن الدرس لن يضيع على المنطقة. السعودية وتركيا قد لا ترغبان في الوقوع في مرمى نيران إسرائيل عبر تطوير برنامج نووي، لكنهما لن ترغبا في أن تكونا ليبيا أو أوكرانيا. رغم المخاطر، قد يفضلان خيار كوريا الشمالية. وسيصبح السلاح النووي مرغوبًا أكثر، وسيزداد خطر المنطقة، التي تعدّ بالفعل الأكثر اضطرابًا في العالم.

إذاً، نعم، يمكن لنتنياهو أن يستعد لخوض الانتخابات المقبلة كرجل هزم أكبر أعداء إسرائيل، وهذا سينال تأييدًا واسعًا. لكن بحركته هذه، قد يكون قد قرب كابوس الشرق الأوسط النووي خطوة أكبر. وهو خطر يهدد بلده والعالم.


جوناثان فريدلاند، كاتب رأي في صحيفة الغارديان