thumbs_b_c_526243d49e30595114f39dfee643ff9c

من العاصمة الدوحة

بقلم: د. جيمس أندرسون – محلل أمني وسياسي، مركز الدراسات الاستراتيجية المعاصرة

في لحظة بدت وكأنها اقتطعت من ذاكرة الحروب الكبرى، دوّى الصمت فوق الخليج، ثم تبعته صواريخ طهران نحو قاعدة العديد الجوية في قطر، إيذانًا بتصعيد غير مسبوق بين إيران والولايات المتحدة، يمتد بظلاله إلى كل عواصم الشرق الأوسط، من تل أبيب إلى الدوحة، ومن الرياض إلى بيروت.

كانت رسالة إيران واضحة كصوت الصواريخ: “نحن هنا.. ونردّ”. لكن ماذا بعد؟ هل تدفع المنطقة ثمن غطرسة السياسة بالإكراه، كما يصفها الخبير الأميركي جاك توسي، أم أن العالم على أعتاب ولادة توازن جديد بين نار التصعيد وبارقة الدبلوماسية؟

بين الصاروخ والدبلوماسية

لم يكن الهجوم على قاعدة العديد، التي تحتضن القيادة الأميركية المركزية، مجرد ضربة عسكرية، بل إعلان رمزي صاخب بأن طهران لم تعد تخشى المواجهة المباشرة مع واشنطن، ولو من بوابة الخليج.

ردّ الولايات المتحدة، وإن بدا محسوبًا حتى اللحظة، يعكس حرج الإدارة الأميركية التي تجد نفسها بين مطرقة الهيبة الدولية وسندان عدم الانجرار إلى حرب شاملة. يزداد الأمر تعقيدًا مع بروز أصوات داخل إدارة ترمب – من بينهم نائبه جيه دي فانس – تلوّح بإحياء مسار التفاوض مع طهران.

يرى توسي، مستشار الشؤون الاستراتيجية بمعهد بروكينغز، أن “الاعتماد المفرط على الإكراه بلغ مداه”، مشيرًا إلى أن لغة القوة وحدها لم تنجح، بل أنتجت ما يشبه «التحدي الاستراتيجي المقلوب»، حيث باتت واشنطن ترد أكثر مما تهاجم.

قطر وإسرائيل.. جبهتان متقابلتان

رغم صغر مساحتها، باتت قطر تتصدر عناوين التصعيد. الدوحة، التي طالما حاولت إمساك العصا من المنتصف، وجدت نفسها ضحية صاروخ إيراني لا يفرّق بين موقع أميركي وأرض سيادية. ومع ذلك، كان ردّها محسوبًا: إدانة، واحتفاظ بحق الرد، دون انزلاق نحو التصعيد.

أما إسرائيل، الحليف المحوري لواشنطن، فقد استغلت اللحظة لتعزيز مواقفها عبر تصريحات نارية، مناوشات على الحدود، واستنفار شامل. ولكن، يدرك الجميع أن أي خطأ في الحسابات قد يشعل فتيل حرب لا تُبقي ولا تذر.

أين تتجه المنطقة؟

الخليج اليوم في عين العاصفة، ليس فقط لأنه ساحة الصراع، بل لأنه مركز توازن القوى. السعودية والإمارات تدينان بشدة، إيران تبعث برسائلها النارية، والولايات المتحدة تحاول ضبط إيقاع الردود دون فقدان ماء الوجه.

ومع اتساع رقعة التوتر، يلوح السؤال الأكبر: هل لا تزال هناك نافذة للدبلوماسية؟

تشير الإشارات القادمة من واشنطن إلى بداية تحول، وربما تراجع تكتيكي، إذ يدرك البيت الأبيض أن المواجهة المفتوحة مع إيران لن تكون بلا ثمن. أما طهران، فرغم صخب صواريخها، فهي تدرك أن هامش المناورة يضيق.

خاتمة

المنطقة اليوم تقف على شفير منعطف تاريخي. إما أن تنتصر لغة الحوار، أو ينفجر الكيل المتراكم من التهديدات والتدخلات والضربات. وبين هذا وذاك، تبقى الحقيقة الثابتة أن الخليج، بكل ما يحمله من نفط وممرات استراتيجية وأمال عريضة، لم يعد مجرد جغرافيا.. بل صار ميزانًا عالميًا بين الحرب والسلام.