
عمّال إنقاذ يُخلون المباني والمنطقة التي استُهدفت بصاروخ إيراني في وسط تل أبيب (CNN) - غيتي
بقلم: محمد فال معاوية
في مسرح السياسة العالمية، حيث تُنسج الحكايات وتُرسم الأقدار، وقفت الدُمى تستعد للدور الكبير. فجأة، وانطلاقًا من اللاشيء، انفجرت الأضواء على خشبة الشرق الأوسط، وصارت سماءه مسرحًا لمشهدٍ جديد من دراما الحرب التي لم تتوقعها العيون.
صفارات الإنذار دوّت كأصوات جوقة مسرحية تعلن بداية العرض. الصواريخ انطلقت كنجوم رقص، تتراقص في فضاءٍ محكم الترتيب، كأنها عرض راقٍ لا يُفقد ألقه عبر الزمن. فجأة، وجدنا أنفسنا في خضم حرب استمرت 12 يومًا، لكن غريبة تلك الحرب، فقد كانت أشبه بفصل في مسرحية تراجيدية كوميدية، حيث البطولة ليست للقوة وإنما للدهاء والخداع.
على الخشبة وقف دونالد ترامب، بطل المسرحية الذي يعرف كيف يثير الانتباه، متحدثًا بكلمات تتأرجح بين الفلسفة السياسية والدعابة، معلنًا وقف إطلاق النار وكأنه يصدر قرارًا بفصل جديد في سرد الحكاية الطويلة للمنطقة.
وعلى الجانب الآخر، وقف نتنياهو، الذي لعب دوره ببراعة، يشكر جنوده وشعبه على صمودهم، بينما يوزع أدوار النصر والبطولة كما يوزع أدوار التمثيل في مسرحية كبيرة.
أما الإيرانيون، فقد كانوا كراقصين محترفين في رقصة تم تكرارها عدة مرات، يطلقون الصواريخ في مشهد درامي لتصل لحظة الصمت والتهدئة التي تتبعها، ثم تعود دائرة اللعب من جديد.
ما بين إطلاق صاروخ وتوقفه، بين خطاب وتصريح، وبين مشهد تمثيلي وآخر، يبدو أن الشرق الأوسط لم يكن سوى مسرحية كبيرة، تكتب فيها سيناريوهاتها القوى الكبرى، بينما الجمهور الحقيقي – الشعوب – يعاني في كواليس هذه الدراما الحية.
في هذا العرض الكبير، تبدو الحرب والسلام مجرد أقنعة توضع على وجوه اللاعبين حسب ما تمليه المصالح، فاللحظة التي يتم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار لا تختلف كثيرًا عن تلك اللحظة التي تعلن فيها بداية القتال.
وأكثر ما يثير الدهشة هو التلقائية في التنقل بين المشاهد، وكأن هناك سيناريو مكتوب مسبقًا، لا يتغير إلا بتوقيع الكبار في غرفة المخابرات الكبرى.
وفي النهاية، حين أُسدل الستار على 12 يومًا من القتال والتصعيد، بقي السؤال مفتوحًا على مصراعيه: هل هذه هي نهاية المسرحية، أم أننا أمام فصل مؤقت في مسرح لا ينتهي؟
ووسط كل هذا التمثيل العبثي، يبقى الأمل معلقًا على حقيقة أن يومًا ما ستنزل الستارة لتكشف عن نهاية حقيقية، حيث لا مزيد من الصراعات، ولا مزيد من الصواريخ، ولا مزيد من الكلمات الرنانة التي لا تغير من واقع المعاناة شيئًا.
حتى ذلك الحين، سيبقى المشاهدون يتابعون هذا العرض الكبير، يجلسون في مقاعدهم ينتظرون المشهد التالي، في انتظار أن تتحول هذه الحربُ والهدنةُ إلى حقيقة لا تُلعَب بها كدمى.