
تعبيرية
علي عبد الرحمن – (لندن)
في السينما، كما في الحياة، لا يكمن الخوف دائمًا في ما نراه، بل كثيرًا ما يختبئ في ما لا يُرى، في نغمة متوترة، أو صمت مُحمّل، أو صوت يتسلّل كهمس عبر الأذن ليوقظ اللاوعي.
في أفلام الرعب، لا تكون الموسيقى خلفية تزيّن الصورة، بل هي الشبح الخفي الذي يسكن المشهد ويحرّك أعصابنا، هي ما يجعلنا ننتظر الكارثة حتى قبل أن تقع.

الصوت كمرآة للرعب
الموسيقى في أفلام الرعب ليست مجرد نغمات، بل هندسة نفسية للصوت، تعيد تشكيل الزمن، وتزرع القلق في كل ثانية.
يعتمد مؤلفو هذا النوع من الموسيقى على أربع أدوات تركيبية ترسم “معمار الخوف”:
- التنافر النغمي (Dissonance): كسر الانسجام السمعي لخلق شعور بعدم الأمان.
- الإيقاع غير المنتظم: يجرّد المشاهد من إحساسه بالثبات، ويزرعه في أرضٍ من القلق.
- الصمت المعلّق: لا يريح التوتر بل يضاعفه، كأن الزمن نفسه يحتبس أنفاسه.
- تحوير الأصوات البيئية: تحويل المألوف إلى مهدّد، من خطوات الأقدام إلى صوت التنفّس.
هذه العناصر تجعل الموسيقى شريكًا كاملاً في صناعة الرعب، لا مجرد تعليق صوتي، بل حكاية سمعية تهمس بالخطر قبل أن تراه العين.

من Psycho إلى Hereditary: أصوات تكتب الرعب
بدأت ثورة موسيقى الرعب مع طعنات بيرنارد هيرمان في Psycho (1960)، حيث تحوّلت النوتة إلى سكين، ثم تصاعدت في The Shining (1980) مع كوبريك الذي جعل الموسيقى مرآة لجنون البطل، لتصل إلى ذروتها النفسية في Hereditary (2018)، حيث الرعب لا يُسمع، بل يُشعَر به كتردّد خفيّ يسري في العظام.
مدارس الرعب السمعي
- الكلاسيكية التمثيلية: تعتمد الأوركسترا والسرد الدرامي، كما في Jaws وThe Omen.
- التجريبية الحداثية: تعيد بناء الصوت من الفوضى والإلكترونيات، كما في It Follows.
- النفسية الداخلية: تعكس اضطراب الشخصيات بدل تهديدات خارجية، كما في Saint Maud.
- السمعية السلبية: الصمت مصدر الرعب، كما في A Quiet Place، حيث غياب الصوت هو التهديد.
عمر خيرت: الموسيقى تُوقظ اللاوعي
يرى الموسيقار عمر خيرت أن موسيقى الرعب ليست زخرفة، بل قلب التجربة، هي “الصوت الذي يُوقظ الرهبة في الداخل”، وأن التحدي الحقيقي في تأليفها هو خلق توتر دون أن يُصبح الصوت مزعجًا، بل أن يكون ذكيًا وموحيًا يعكس أعماق الشخصيات.
في الختام
موسيقى الرعب هي العمق الذي لا يُرى، والظل الذي لا يظهر على الشاشة. هي اليد الخفية التي تقبض على القلب وتُبطئ الزمن، وتجعلنا نخاف من الباب قبل أن يُفتح، ومن الصمت قبل أن يُكسر.