
من المصدر
لندن – اليوم ميديا
في محاولة لتفادي عاصفة محتملة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يعكف قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) على التحضير لقمة مقتضبة هذا الشهر في لاهاي، يتصدرها بند وحيد: رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا التحول الكبير في أولويات أوروبا العسكرية ليس مجرد استجابة لطلب أمريكي، بل يمثل تحولًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا في العمق.
“5%”… الرقم السحري لإرضاء ترامب
خلال قمة وزراء الدفاع، يسعى الناتو لتوحيد الصف الأوروبي خلف مطلب ترامب برفع الإنفاق العسكري، في وقت يواجه فيه الحلف تحديات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. وقال السفير الأمريكي لدى الناتو، ماثيو ويتاكر، صراحة: “دعوني أختصر جوهر رسالتنا: 5%، ولن يكون مجرد تعهد، بل التزام”.
يُعد هذا الرقم تصعيدًا واضحًا عن هدف الـ2% الذي ظل محور الجدل في سنوات سابقة، ويعكس رضوخًا أوروبيًا لتوجهات الإدارة الأمريكية، خشية أن يستخدم ترامب، كما فعل سابقًا، قمة الناتو كمنصة لتوبيخ الحلفاء وتهديد بنية التحالف.
التكاليف الاقتصادية: فاتورة ثقيلة على الاقتصادات الأوروبية
رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي ليس مجرد التزام سياسي، بل عبء اقتصادي ثقيل، خصوصًا في ظل تباطؤ النمو، وتضخم الإنفاق الاجتماعي، والانتقال الطاقي الأخضر.
Breaking News
وبحسب تقارير بلومبيرغ، فإن بعض الحكومات الأوروبية ستضطر إلى إعادة توجيه ميزانياتها، ما يعني تقليص مخصصات التعليم، الصحة، والاستثمار التكنولوجي مقابل تعزيز ميزانيات العسكر.
مخزونات الأسلحة.. عودة إلى منطق الحرب الباردة
تتضمن خطط الناتو لهذا العام واحدة من أضخم استراتيجيات التسلح منذ عقود، بما في ذلك خطة لمضاعفة قدرات الدفاع الجوي الأرضي خمس مرات، لتغطية فجوة حيوية في منظومة الحماية الأوروبية.
هذه العودة إلى منطق “المخزون الحربي” تعكس تصاعد التوترات مع روسيا، ولكن أيضًا تعكس منطق إدارة ترامب الذي يرى في الأرقام العسكرية مقياسًا للولاء.
أوكرانيا.. الحاضر الغائب في لاهاي
رغم توجيه دعوة رمزية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور العشاء الملكي الذي يستضيفه ملك هولندا، فإن عدم تأكيد حضوره الرسمي يعكس حساسية الملف أمام ترامب، خاصة وأن واشنطن سحبت إدانتها الرسمية لغزو روسيا لأوكرانيا في أكثر من محفل دولي.
ورغم أن الأمين العام للناتو مارك روتا أكد أن كييف على “مسار لا رجعة فيه” نحو عضوية الحلف، إلا أن القمة لن تتضمن أي تعهدات مالية جديدة، ولا تجديد لمساعدة الـ40 مليار يورو التي وُعدت بها أوكرانيا في العام السابق.
معضلة الخطاب السياسي: هل يلين الناتو لهجته ضد موسكو؟
يرى مراقبون أن القمة قد تشهد تحولاً في صيغة بيانات الناتو بشأن الحرب الروسية، تفاديًا لغضب واشنطن. وهو ما يضع القادة الأوروبيين في مأزق: كيف يبررون لشعوبهم تخصيص 5% من الناتج المحلي للدفاع، إن لم تكن موسكو “عدوًا صريحًا” كما في السابق؟
خلاصة: هل يشتري الناتو رضا ترامب باليورو؟
القمة المقبلة قد تكون الأقصر في تاريخ الناتو، لكن تداعياتها قد تكون الأعمق.
بين إرضاء ترامب، واحتواء روسيا، وضمان وحدة الصف الأوروبي، يخوض الحلف معركة سياسية واقتصادية لا تقل شراسة عن أي مواجهة ميدانية.
وفيما تتحرك أوروبا نحو إعادة تسليح غير مسبوقة، يبقى السؤال: هل يُشترى رضا أمريكا… أم يُؤجَّل الانقسام إلى ما بعد الانتخابات؟
واشنطن