
ناقلة غاز مسال قطرية
في تصعيد غير مسبوق ينذر بأزمة طاقة وشيكة، هددت قطر بوقف إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، إذا لم تتراجع المفوضية الأوروبية عن تنفيذ متطلبات “توجيه العناية الواجبة بالاستدامة المؤسسية” (CSDDD) المتعلقة بحماية المناخ.
جاء ذلك في تقرير نشرته صحيفة “Welt am Sonntag” الألمانية، استنادًا إلى رسالة رسمية أرسلها وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة والرئيس التنفيذي لـ”قطر للطاقة”، سعد بن شريدة الكعبي، إلى الحكومة البلجيكية بتاريخ 21 مايو 2025.
ووفقًا للصحيفة، فإن رسالة الوزير المؤلفة من أربع صفحات حذرت بصراحة من إمكانية وقف تصدير الغاز إلى أوروبا إذا لم تُجرِ المفوضية الأوروبية تعديلات “جوهرية” على مشروع قانون CSDDD، معتبرًا أن القواعد الجديدة تشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار العلاقات التجارية بين الطرفين.
قوانين بيئية… وتهديدات اقتصادية
يركّز التوجيه الأوروبي الجديد (CSDDD) على إلزام الشركات بإجراء تقييم شامل لتأثير عملياتها وسلسلة توريدها على حقوق الإنسان والبيئة، بما في ذلك الانبعاثات الكربونية في مختلف مراحل الإنتاج والنقل.
لكن الوزير القطري اعتبر أن المادة 22 من هذا التوجيه “تتناقض بوضوح مع القوانين والممارسات المعمول بها في قطر”، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي يتجاوز حق الدول في تحديد سياساتها المناخية الخاصة، كما هو منصوص عليه في “اتفاق باريس للمناخ”.
وأشار إلى أن العقوبات والغرامات المنصوص عليها في CSDDD قد تهدد قدرة قطر للطاقة على الاستمرار في تزويد السوق الأوروبية بالغاز الطبيعي المسال، معتبراً ذلك “خطرًا تجاريًا لا يمكن تجاهله”.
رسالة جماعية للدول الأوروبية
لم تقتصر الرسالة على بلجيكا فقط، بل وُجّهت إلى عدة عواصم أوروبية، في تحذير جماعي يؤكد أن الشركات القطرية لن تختار بين مصالحها التجارية والتزاماتها البيئية المحلية ومعايير الاتحاد الأوروبي، بحسب ما أوردت الصحيفة الألمانية.
قطر في قلب معادلة الطاقة الأوروبية
تُعد قطر ثالث أكبر مُصدر عالميًا للغاز الطبيعي، وسادس أكبر منتج. ووفق بيانات “يوروستات”، فقد شكلت صادراتها 10.8% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال خلال الربع الأول من 2025، خلف الولايات المتحدة (50.7%) وروسيا (17%).
وبحسب التقديرات، فإن انسحاب قطر من السوق الأوروبية، بالتزامن مع تنفيذ العقوبات النهائية على روسيا بحلول عام 2028، سيجبر بروكسل على البحث عن بدائل عاجلة لتغطية أكثر من ربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال.
واشنطن لا تستطيع التعويض
ووفقًا للتقرير، فإن زيادة إمدادات الولايات المتحدة لن تكون كافية لتعويض النقص الناتج عن انسحاب قطر. بل قد تؤدي إلى رفع حصتها إلى 60% من إجمالي الإمدادات، وهو ما قد يُدخل الاتحاد الأوروبي في مرحلة جديدة من الاعتماد الأحادي على مصدر واحد للطاقة، وهي مخاطرة لطالما سعت بروكسل إلى تجنبها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
تحليل
يُشير هذا التوتر بين قطر والاتحاد الأوروبي إلى مأزق جديد في معادلة الطاقة العالمية، حيث تتصادم السياسات البيئية الطموحة لأوروبا مع مصالح الدول المصدّرة، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية. وهو ما يطرح سؤالًا مهمًا:
هل أوروبا مستعدة للتضحية بالأمن الطاقي من أجل سياسات المناخ؟
لندن – اليوم ميديا