ترامب والرأسمالية الليبرالية: من الحمائية إلى الفاشية الجديدة

ينظر الكثيرون إلى رئاسة ترامب الثانية، التي بدأت في عام 2025، على أنها قد تُسرّع الاتجاه العالمي نحو الرأسمالية الاستبدادية، التي تتميز بتدخل الدولة المتزايد في الاقتصاد، والسياسات التجارية الحمائية، والتآكل المحتمل للمؤسسات الديمقراطية. ويشير هذا المنظور إلى أن أجندة ترامب “أمريكا أولاً”، إلى جانب قاعدة سياسية أكثر تنظيماً وتنوعاً، يمكن أن تؤدي إلى حقبة جديدة من الشعبوية الاقتصادية وتحدياً للنظام الدولي الليبرالي الراسخ.

سلاح النفوذ الاقتصادي

واحدة من المخاوف الرئيسية هي السياسات الاقتصادية المقترحة من ترامب. فقد تعهد بفرض رسوم شاملة بنسبة 10-20% على جميع واردات الولايات المتحدة، وتعريفة بنسبة 60% على البضائع الصينية، وهو تصعيد كبير للحرب التجارية مقارنة بالنزاعات في ولايته الأولى.

ويُنظر إلى هذه التعريفات على أنها أداة للنفوذ الاقتصادي الأمريكي، وتقسيم حاد للعالم بين حلفاء تابعين لترامب وأعداء أقوياء، مما قد يؤدي إلى إجراءات انتقامية وحرب تجارية عالمية.
بينما يصر ترامب على أن الرسوم الجمركية تدفعها دول أخرى، يشير التحليل الاقتصادي إلى أنها ضرر مباشر للشركات والمستهلكين الأمريكيين. مثل هذه الإجراءات الحمائية قد تعطل سلاسل التوريد العالمية، وتضر بأحجام التجارة الدولية، وتزيد التكاليف الاقتصادية لكل من الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.

كما يشمل نهج ترامب الاقتصادي تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، والتي ستزيد العجز، ودفعة كبيرة لإلغاء القيود في مختلف القطاعات. بينما يمكن أن يعزز رفع القيود ثقة الأعمال والاستثمار، يرى خبراء أن سياسة ترامب التجارية قد تؤدي أيضًا إلى أضرار بيئية وتقليل حماية المستهلك.

الاستيلاء على الدول والمناطق

خطة ترامب لإنشاء “خدمة الإيرادات الخارجية” لجمع عائدات الرسوم الجمركية، وتهديداته بالاستيلاء على مناطق مثل غرينلاند للموارد الطبيعية أو حتى ضم كندا، تشير إلى نهج عدواني وأحادي الجانب للسياسة الاقتصادية والعلاقات الدولية.

عودة ترامب للحكم تعتبر بالنسبة للبعض مؤشراً لأزمة الرأسمالية، حيث خلقت قوى السوق الحديثة أرضًا خصبة للبدائل الاستبدادية، بينما “عبادة الرئيس التنفيذي” والاعتقاد بأن الفطنة التجارية تترجم إلى قدرة حوكمة، منح قادة مثل ترامب جاذبية كبيرة خارج القنوات السياسية العادية.

الفاشية الجديدة في الاقتصاد الأمريكي

يتماشى نهج ترامب حتى الآن مع فكرة “إدارة الفاشية الجديدة”، حيث يسيطر قطاع من الطبقة الرأسمالية الأمريكية علانية على جهاز الدولة. تشكيل حكومة ترامب، التي تضم العديد من المليارديرات، يعزز المخاوف بشأن تأثير الطبقة الحاكمة المباشر على الدولة وثرواتها، عبر إصدار قوانين وإجراءات تخدم مصالح الأثرياء على حساب المجتمع الأوسع.

تعد مبادرة “مشروع 2025”، التي تهدف إلى تقليص الحكومة الفيدرالية وتنظيمها وفق خطوط الأعمال، مؤشراً على تحول نحو جهاز دولة أكثر مركزية واستبدادية.

مرونة الرأسمالية الديمقراطية

مع ذلك، يرى خبراء أن سياسات ترامب لن تدمر الرأسمالية الديمقراطية بالكامل. النظام الأمريكي أظهر مرونة في الماضي، وقد تكيف مع مختلف الأزمات والتحولات السياسية.

تشير مؤسسة هوفر إلى أن السياسات الفعلية ستكون أقل حدة من منصة حملة ترامب الصاخبة، معتبراً أن الاقتصاد الأمريكي يبدأ ولاية ترامب الثانية على أساس سليم.

كما يلعب المشهد العالمي دوراً حاسماً، حيث أجبر صعود الصين كقوة اقتصادية ونموذجها الرأسمالي للدولة الحكومات الغربية على الابتعاد عن عقيدة السوق الحرة، نحو سياسات صناعية أكثر قوة، مع توقع تسارع “الحرب الباردة التكنولوجية” بين الولايات المتحدة والصين.

تحديات أوروبا والحرب الطبقية

تواجه أوروبا، المحاصرة في تبادل التداعيات الاقتصادية والسياسية، تحدياتها الخاصة، بما في ذلك ضعف الأداء الاقتصادي وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتماشى مع شبكات ترامب.

في نهاية المطاف، يظل مستقبل الرأسمالية الديمقراطية في عهد ترامب غير مؤكد. هناك مؤشرات على التحرك نحو سياسات أكثر استبدادية وحمائية، لكن مدى التأثير سيعتمد على:

  • مرونة المؤسسات الديمقراطية الأمريكية
  • الاستجابة العالمية لسياسات ترامب
  • قدرة القوى التقدمية على التعبير عن بدائل ذات مغزى

كما أن الحرب الطبقية المستمرة بين الأغنياء والطبقة العاملة، والتي تفاقمت بسبب ارتفاع عدم المساواة، ستشكل مسار الاقتصاد السياسي في المستقبل.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى