
لوحة إعلانية تعرض بيانات اقتصادية صينية في شنغهاي - (فورين أفيرز )
(اليوم ميديا)
هددت النزاعات والفوضى التي أعقبت فرض الولايات المتحدة المفاجئ للرسوم الجمركية الشاملة في أبريل بتمزيق النسيج المحكم للإنتاج العالمي.
تواجه الآن حوالي 300 مليون شركة حول العالم، متصلة بما يقدر بنحو 13 مليار رابط إمداد، حالة من عدم اليقين غير مسبوقة. لكن الارتباك الحالي ليس سوى أحدث مثال على الاضطراب الاقتصادي الذي اتسم به نصف العقد الماضي. منذ بداية جائحة كوفيد في عام 2020، دفعت الاختناقات المفاجئة في سلاسل التوريد العالمية الباحثين إلى إعادة تقييم كيفية عمل الاقتصاد.
وبحسب تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز ” الأميركية، فإن تباطؤ الإنتاج ونقص السلع المتنوعة مثل معقم اليدين (الذي تطلب استيراد مواد كيميائية متخصصة إلى الولايات المتحدة خلال الجائحة) والطائرات (واجهت إيرباص تأخيرات في تلبية الطلب بسبب نقص المكونات المهمة في عام 2024) كشف عن نقاط ضعف النظام الاقتصادي العالمي الذي تعبر فيه البضائع الحدود عدة مرات في مراحل متتالية من الإنتاج والتجميع. كما أنها تحدت المفاهيم التقليدية لأفضل طريقة لقياس النمو والإنتاجية.
لقد أعادت التجارة والتكنولوجيا صياغة الإنتاج العالمي، إلا أن الإحصاءات الاقتصادية التي تقيس النتائج، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية، لا تزال تُجمع على أساس أطر عمل وُضعت في أربعينيات القرن الماضي، وتركز بشكل أساسي على جانب الطلب في الاقتصاد وأدائه الحالي والماضي. ولا تُقدم هذه الأطر سوى القليل عن جانب العرض، أو قدرة الاقتصاد على الاستجابة للضغوط. ونتيجةً لذلك، صنّف الاقتصاديون حوالي أربعة أخماس ناتج الاقتصادات المتقدمة على أنه "صعب القياس". إن التركيز غير المتناسب على الصناعات الأسهل قياسًا، مثل الصناعات التحويلية، لتقييم الأداء، يُقلل من أهمية الصناعات التي تُحرك الاقتصاد الحديث بالفعل.
في عصرٍ يشهد ترابطًا واضطراباتٍ غير مسبوقة، يحتاج صانعو السياسات إلى أدواتٍ جديدةٍ لتتبع حالة شبكات الإنتاج العالمية، ورصد أشكالٍ من النشاط لم تكن لتخطر على بال عند نشأة الإحصاءات الاقتصادية الحديثة. وستتطلب هذه الإصلاحات جمع بياناتٍ أكثر وأفضل لسدِّ الثغرات المعرفية، بما في ذلك مؤشرات ضعف سلسلة التوريد، وتقنياتٍ مبتكرةٍ لقياس مدى مساهمة الجوانب النوعية وغير الملموسة للاقتصاد في النمو والتضخم. إنَّ وجود إطار عملٍ جديدٍ يُعالج ما لا تستطيع الإحصاءات القياسية معالجته ليس مسألةً أكاديميةً فحسب، بل هو السبيل الوحيد الذي يُمكِّن القادة من وضع سياساتٍ اقتصاديةٍ سليمةٍ في ظلِّ ظروفٍ غير مستقرة.
ضرورة الحرب
الإطار الدولي الحالي لقياس النمو الاقتصادي والإنتاجية هو نظام الحسابات القومية، وهو مجموعة من المعايير الإحصائية تُتفق عليها كل عشر سنوات إلى عشرين عامًا من قِبل لجنة من الإحصائيين الرسميين بقيادة الأمم المتحدة. ويشمل هذا النظام الناتج المحلي الإجمالي، الذي لطالما اعتبره الاقتصاديون وصانعو السياسات أفضل مقياس للتقدم الاقتصادي.