image

ترامب ومحمد بن سلمان

أنس الحلبي – (لندن)

في لحظة سياسية لافتة، حملت معها أكثر من مجرد دلالات بروتوكولية، وصل وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى العاصمة السورية دمشق على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، في زيارة رسمية تهدف إلى بحث سبل دعم الاقتصاد السوري وتعزيز العلاقات الثنائية. الزيارة، التي تُعد الأولى من نوعها منذ سنوات، تأتي في وقت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، وسط تصاعد مؤشرات إعادة تطبيع العلاقات العربية مع دمشق.

تزامن وصول الوفد السعودي مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، عن عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وقد أثار هذا التصريح جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، وفتح الباب أمام تساؤلات حول التوقيت والدوافع، لا سيما في ظل تسارع خطوات التطبيع العربي مع دمشق ضمن مقاربة جديدة تنأى عن سياسة العزل التي اتبعتها معظم العواصم العربية طوال السنوات الماضية.

تحركات اقتصادية برسائل سياسية

الوفد السعودي لم يكن سياسيًا صرفًا، بل ضم شخصيات اقتصادية بارزة، من بينها المستشار بالديوان الملكي محمد بن مزيد التويجري، ونائب وزير المالية، وممثلون عن وزارتي الاستثمار والخارجية، ما يؤكد أن الأجندة الاقتصادية تتصدر أولويات التقارب الجديد مع سوريا.

قد يهمك أيضاً

وزير الخارجية السعودي في دمشق.. لقاء تاريخي مع الشرع ودعم اقتصادي مرتقب

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السعودي د. أحمد الدخيل لموقع “اليوم ميديا”: “الرياض تدرك أن إعادة إعمار سوريا تمثل فرصة اقتصادية ضخمة، لكنها مشروطة ببيئة استثمارية أكثر استقرارًا، وبتفاهمات إقليمية ودولية حول طبيعة التدخل والضمانات”.

أما من الجانب السوري، فرأى الباحث في الشأن الاقتصادي مالك سليمان أن “دخول السعودية على خط الإعمار قد يغير قواعد اللعبة، ليس فقط بسبب الثقل المالي، بل لما تمثله من بوابة لعودة سوريا إلى الأسواق العربية والدولية تدريجيًا”.

تصريحات ترامب… انعطافة في المزاج الأميركي

تصريحات ترامب في الرياض جاءت لتصب الزيت على نار المشهد المتغير، إذ قال بوضوح إنه سيعمل على رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وبصرف النظر عن حيثيات خطاب ترامب، فإن توقيت التصريح، ومكانه، يوحيان بوجود رسائل ضمنية إلى شركاء واشنطن في المنطقة، مفادها أن إدارة ترامب — ستكون أكثر انفتاحًا على مقاربة جديدة للملف السوري.

الخبير في الشؤون الأميركية ستيفن كوك كتب في فورين بوليسي: “ترامب يدرك أن الحلفاء الإقليميين يتقدمون خطوات على واشنطن في ملف سوريا، وقد يحاول ركوب هذه الموجة ليبدو كمن يقودها، لا من يتأخر عنها”.

هل تنهار منظومة “قانون قيصر”؟

منذ دخول “قانون قيصر” حيز التنفيذ عام 2020، فرضت واشنطن حصارًا اقتصاديًا مشددًا على النظام السوري، مما أدى إلى عرقلة أي جهود جدية لإعادة الإعمار أو ضخ استثمارات عربية في السوق السورية.

لكن التقارب العربي، والمواقف الأخيرة من الرياض وترامب، تطرح تساؤلات جدية حول مدى استمرارية هذه المنظومة العقابية، لا سيما في ظل تراجع أولويات واشنطن في الشرق الأوسط.

ويقول الباحث القانوني سند الدين: “إذا بدأت الاستثمارات السعودية تدخل السوق السورية، حتى بحذر، فهذا قد يكون مؤشرًا إلى أن قانون قيصر أصبح على المحك، إما بتعديله أو بتجاوزه عبر تفاهمات إقليمية مدروسة”.

سياسة الواقع بدل سياسة العزل

االزيارة السعودية إلى دمشق، وبيانها الاقتصادي الصريح، لا يعكسان فقط توجهًا استراتيجيًا جديدًا يقوم على سياسة الواقع بدل سياسة العزل، بل يشيران أيضًا إلى تحوّل في المزاج الدولي، يتجلى في الموقف الأميركي الأكثر مرونة تجاه إعادة الانخراط العربي مع سوريا. فالمباركة الضمنية – وربما التنسيق غير المعلن – بين الرياض وواشنطن في هذا الملف، تعكس إدراكًا متبادلًا بأن المقاربة السابقة لم تؤتِ ثمارها، وأن الوقت قد حان لصياغة نهج جديد يُراعي الحقائق على الأرض ومصالح الحلفاء الإقليميين.

ورغم أن رفع العقوبات لم يتحول بعد إلى قرار رسمي، إلا أن المؤشرات تتزايد على أن الحصار الاقتصادي بدأ يتآكل، مدفوعًا بزخم دبلوماسي عربي متنامٍ، وتصريحات أميركية تنفتح على خيارات جديدة، ومشاريع اقتصادية باتت تُناقش بشكل علني بين الرياض ودمشق مع نظام أحمد الشرع الجديد. كل ذلك يشي بأن مرحلة جديدة تُرسم اليوم بهدوء، لكن بثبات.