
من عمليات شراء بماستركارد - أرشيفية
لندن – (اليوم ميديا)
في تحول دراماتيكي وخطير، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن عملية واسعة ومعقدة لتهريب الدولار من العراق إلى إيران، تقودها ميليشيات موالية لطهران عبر استغلال نظام الدفع الإلكتروني، وعلى رأسه شبكات فيزا وماستركارد.
ففي غضون عام واحد فقط، ارتفعت المعاملات العابرة للحدود في العراق عبر البطاقات المصرفية من أقل من 50 مليون دولار شهريًا إلى نحو 1.5 مليار دولار في أبريل 2023، بزيادة تجاوزت 2900%. هذا الانفجار لم يكن سوى واجهة لنشاط مالي احتيالي تديره فصائل عراقية تخضع لعقوبات أميركية.
من التحويلات البرقية إلى بطاقات الدفع
يعود أصل الظاهرة إلى أواخر عام 2022، عندما أغلقت وزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي ثغرات في نظام التحويلات البرقية الذي كانت تستخدمه بنوك عراقية دون ضوابط صارمة لمكافحة غسيل الأموال. وعندما سُدّ هذا الباب، لجأت الميليشيات إلى الباب البديل: بطاقات الدفع المسبق وبطاقات الخصم.
بدلاً من التحويلات البنكية، استخدمت الفصائل بطاقات مسبقة الدفع يتم شحنها داخل العراق، ثم تُهرّب إلى الخارج – لا سيما إلى تركيا والأردن – حيث تُسحب الدولارات نقدًا من أجهزة الصراف الآلي أو تُحوّل عبر متاجر مزيفة.
أرباح بمئات الملايين.. وخسائر أمنية جسيمة
هذه العملية المعقدة التي جمعت بين فرق سعر الصرف (الرسمية والسوق السوداء) وغياب الضوابط على البطاقات، حققت للفصائل العراقية أرباحًا تقدر بنحو 450 مليون دولار في عام 2023 وحده، بحسب الصحيفة. كما جنَت شركتا فيزا وماستركارد نحو 120 مليون دولار من الرسوم، ما يسلط الضوء على هشاشة الرقابة المالية في المنطقة.
ولم تقتصر الأرباح على الجانب المالي، بل سهلت هذه العمليات – بحسب المسؤولين الأميركيين – تمويل أنشطة عسكرية وشراء أسلحة، ما يهدد أمن العراق والمنطقة.
شبكة واسعة من الوسطاء والميسرين
بحسب تقرير الصحيفة، لم تقتصر الشبكة على الفصائل المسلحة فقط، بل شملت أيضًا شركاء محليين لشركتي فيزا وماستركارد في العراق، بعضهم على صلة مباشرة بتلك الفصائل. كما استخدمت أجهزة نقاط البيع (POS) المحمولة بشكل واسع في عمليات احتيال منظمة، ووُظّفت شبكات VPN لإخفاء مواقع المستخدمين، بما يشبه “مزارع البطاقات”.
كي كارد.. بطاقة الحكومة بيد الميليشيات
من أكثر البطاقات استخدامًا في هذه المخططات بطاقة “كي كارد” (Qi Card)، التي تُستخدم رسميًا لتوزيع رواتب الموظفين والمتقاعدين العراقيين، ومن بينهم آلاف المقاتلين في الفصائل المسلحة. وقد استولى قادة الميليشيات على بطاقات عناصرهم وحتى “أسماء وهمية” للحصول على المزيد من البطاقات، بحسب مسؤولين عراقيين وأميركيين.
كيف ردت السلطات؟
رغم تحذيرات وزارة الخزانة الأميركية، لم تتخذ فيزا وماستركارد إجراءات فورية، ما سمح باستمرار التلاعب لعدة أشهر. ومع بداية عام 2024، بدأت الإجراءات فعليًا بعد اجتماعات متكررة شملت البنك المركزي العراقي.
كما فرضت السلطات العراقية قيودًا على المدفوعات الخارجية وحددت سقفًا بـ300 مليون دولار شهريًا، في محاولة للحد من تهريب الدولار.
بطاقات تهريب في علب السجائر!
من بين القصص المثيرة التي كشفها التقرير، اعتقال مسافر عراقي في مطار النجف بحوزته 300 بطاقة مصرفية مخفية في علب سجائر. وفي حالات أخرى، ألقي القبض على عراقيين وإيرانيين على المعابر الحدودية في محاولات تهريب جماعية.
ختامًا.. أين تتجه الأمور؟
تشير التحقيقات إلى أن عمليات الاحتيال لم تنته بعد، رغم تقلص حجم المعاملات. ففيزا دايركت، خدمة التحويلات الفورية التي أُطلقت في أوائل 2024، استخدمت خلال شهرين فقط لتحويل أكثر من 1.2 مليار دولار إلى دول مثل تركيا وإندونيسيا. ما يعني أن تهريب الدولار مستمر، بأدوات جديدة، وبصمت قاتل.
ما يحدث اليوم في العراق ليس مجرد ثغرة مالية، بل شبكة متكاملة لتهريب الدولار تحت غطاء شرعي – شبكات الدفع العالمية – تصب في نهاية المطاف في دعم قوى مسلحة خارجة عن القانون، وتساعد إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية.