
الرئيس الروسي فلاديمير بوتن (وسط الصورة) يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في موسكو، روسيا، الاثنين. الأناضول (غيتي)
في مشهد دراماتيكي وسط التصعيد المشتعل في الشرق الأوسط، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في الكرملين، معلنًا دعمًا غير مشروط لطهران، في وقت تواصل فيه القوات الإسرائيلية والأميركية قصفها العنيف لمواقع إيرانية. اللقاء، الذي بدا في ظاهره دبلوماسيًا، حمل بين سطوره إشارات استراتيجية قد تقلب الموازين الجيوسياسية في المنطقة.
دعم روسي علني وغير مسبوق
خلال الاجتماع، أدان بوتين الضربات الأميركية ووصفها بـ”العمل العدواني غير المبرر”، مشددًا على أن إيران يمكنها الاعتماد على دعم موسكو. كما أشار إلى مكالمات أجراها مع قادة العالم، بينهم ترامب ونتنياهو، ما يكشف عمق انخراط روسيا في إدارة موازين الحرب.
وبحسب مصادر دبلوماسية روسية تحدثت لـ”اليوم ميديا”، فإن اللقاء لم يكن فقط للتضامن المعنوي، بل تناول ترتيبات أمنية واقتصادية، وربما حتى دعمًا استخباراتيًا ضمنيًا.
التحالف الإيراني الروسي.. من الميدان إلى الطاولة النووية
لا يمكن فهم طبيعة هذا التحالف بمعزل عن سنوات من التعاون العسكري والاستخباراتي، بدأ مع التدخل الروسي في سوريا، وتطور مع إرسال إيران طائرات بدون طيار من طراز “شاهد” لدعم موسكو في حربها بأوكرانيا. مقابل ذلك، كانت روسيا طرفًا فاعلًا في تطوير البرنامج النووي الإيراني، وبنت محطة بوشهر التي تضم حاليًا نحو 200 خبير روسي.
المحلل الأمني الأميركي “جايسون باركر” من مركز “أتلانتك كاونسل” يقول: “ما نراه هو إعادة اصطفاف كبرى. موسكو تنظر لإيران كحليف ميداني في حرب بالوكالة ضد واشنطن، والعكس صحيح. هذا التحالف لا يتشكل فقط كرد فعل، بل كسيناريو مستدام لتعطيل الهيمنة الغربية”.
الغرب في مأزق الردع
الدعم الروسي لطهران يأتي بينما تُجري إسرائيل عمليات عسكرية شبه يومية ضد أهداف إيرانية، وتشارك الولايات المتحدة في ضربات موجهة للمواقع النووية. تحذيرات متزايدة من واشنطن ولندن تشير إلى أن هذا التصعيد قد يجر المنطقة إلى دوامة حرب إقليمية.
المحللة البريطانية “ليزا غرانت”، المتخصصة في العلاقات الدولية بجامعة كينغز كوليدج، ترى أن “لقاء بوتين بالوفد الإيراني، في ظل القصف الإسرائيلي، هو رسالة مزدوجة: مفادها أن إيران ليست وحدها، وأن موسكو مستعدة لكسر خطوط حمراء كانت تُعتبر مقدسة منذ نهاية الحرب الباردة”.
هل نشهد إعادة تشكيل لمحور مضاد للغرب؟
مع استمرار الضربات على طهران، وتوسع الاحتجاجات المناهضة لأميركا في الداخل الإيراني، يبدو أن روسيا تطرح نفسها حاميًا لنظام طهران، ليس بدوافع أيديولوجية، بل كمحور مصالح ضد التمدد الأطلسي.
الخبير الروسي “فيكتور سينيكوف” من معهد العلاقات الدولية بموسكو يقول: “بوتين يدرك أن دعم إيران اليوم يعني تعزيز نفوذ روسيا غدًا. نحن أمام ولادة محور مناهض للغرب يضم إيران، روسيا، وربما الصين في مرحلة لاحقة، إذا اتسع الصراع”.
التفجير أم الاحتواء؟
السؤال الحاسم: هل يقود هذا التحالف إلى تفجير شامل في الشرق الأوسط؟ أم أنه محاولة لإعادة التوازن ومنع سقوط النظام الإيراني؟
ترجح بعض التقديرات الغربية أن روسيا قد لا تتورط عسكريًا بشكل مباشر، لكنها تسعى لضمان أن تبقى إيران شوكة في خاصرة واشنطن وتل أبيب، وتستخدمها كذراع جيوسياسي في الشرق الأوسط.
ويؤكد البروفيسور مايكل هارتينغ، الخبير في السياسات الدولية بجامعة جورجتاون، أن “الكرملين يدرك أن تفكك إيران يعني انهيار جبهة المقاومة التي تزعج إسرائيل والولايات المتحدة منذ عقود، ولهذا فإن موسكو تفضل دعمًا غير مباشر يطيل أمد التوتر دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة”.
في المقابل، يرى محللون أن الغطاء الروسي قد يُغري طهران بتوسيع عملياتها الانتقامية، خاصة إذا شعرت بأن الدعم الدبلوماسي والعسكري الروسي كافٍ لردع الغرب، أو على الأقل لتعقيد حساباته.
في المقابل، يرى محللون أن الغطاء الروسي قد يُغري طهران بتوسيع عملياتها الانتقامية، خاصة إذا شعرت بأن الدعم الدبلوماسي والعسكري الروسي كافٍ لردع الغرب، أو على الأقل لتعقيد حساباته.
ويذهب الخبير الأميركي جوناثان ماركس، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى أن “موسكو تمنح طهران ما يشبه شبكة أمان استراتيجية، ما يدفعها إلى اختبار الخطوط الحمراء الأميركية والإسرائيلية بشكل أكثر عدوانية، وهو ما قد يفضي إلى تفجير شامل في حال أخطأت الحسابات”.
خلاصة تحليلية
ما بين احتضان بوتين لطهران وتصعيد المواجهة مع الغرب، يجد الشرق الأوسط نفسه أمام معادلة شديدة التعقيد. التحالف الروسي الإيراني لم يعد في الظل، بل خرج إلى العلن مع وعود واضحة بالدعم، ورسائل صلبة موجهة للغرب.
في ظل هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى العواصم الكبرى: هل تملك واشنطن وأوروبا أدوات الردع الكافية؟ أم أن موسكو فتحت جبهة استراتيجية جديدة قد تؤسس لحرب طويلة ومكلفة؟
وحدة التحليل السياسي – لندن – اليوم ميديا