
صراع على النفط الليبي بين أوروبا والصين
وقعت شركتا النفط البريطانيتان العملاقتان “بي بي” و”شل” مؤخرًا اتفاقيات استراتيجية مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية لدعم تعافي إنتاج النفط والغاز في البلاد. تأتي هذه الخطوة في ظل صراع دولي محتدم على مصادر الطاقة، لا سيما في دول تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية، حيث تعد ليبيا واحدة من أهم حلبات المنافسة بفضل احتياطياتها النفطية الضخمة.
أبعاد استراتيجية وتطبيق القانون الدولي
يرى الخبير البريطاني سايمون واتكنز في تحليل نشرته “أويل برايس” أن هذه الاتفاقيات ليست مجرد صفقات تطوير حقول نفطية، بل تمثل أبعادًا استراتيجية عميقة. فالقانون الدولي يسمح للشركات الأجنبية المشاركة ببناء بنى تحتية واسعة النطاق وتمركز موظفين عسكريين وأمنيين من نفس جنسية الشركة داخل الأراضي الليبية، مع موافقة رسمية من الحكومة المحلية. ما يجعل هذه المواقع تحظى بوضع محمي يشبه السفارات، وهو أمر يعزز النفوذ الجيوسياسي لهذه الشركات والدول التي تمثلها.
العودة إلى نموذج شركة الهند الشرقية
تُشبه هذه الاستراتيجية ما قامت به شركة الهند الشرقية البريطانية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، حيث جمعت بين المصالح التجارية والتوسع العسكري لتعزيز نفوذها في مناطق نفوذ استراتيجية. أسست الشركة طرقًا تجارية مهمة، وحافظت على وجود أمني ضخم يحمي مصالحها، مما حولها إلى قوة شبه حكومية تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي.
الصين والنموذج المتكرر في الشرق الأوسط
تشير تقارير أمنية إلى أن الصين، بقيادة الرئيس شي جين بينغ، اعتمدت نموذجًا مماثلًا في الشرق الأوسط، خصوصًا عبر اتفاقيات طويلة الأمد في إيران والعراق. تشمل هذه الاتفاقيات تواجدًا أمنيًا واسعًا وبناء بنى تحتية ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري) كجزء من مشروع “الحزام والطريق”، بهدف السيطرة على مصادر الطاقة وتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين في المنطقة.
تحالف غربي لمواجهة النفوذ الروسي
تمثل شركات النفط الغربية، وعلى رأسها “بي بي” و”شل”، جزءًا من تحالف غربي يسعى لتعويض النقص في إمدادات الطاقة نتيجة العقوبات على روسيا بعد غزو أوكرانيا. يتزامن هذا التحرك مع جهود للناتو للحد من التمدد الروسي في شمال إفريقيا، مما يضيف بُعدًا جيوسياسيًا معقدًا لصراع السيطرة على النفط الليبي.
ليبيا: ثروات ضخمة وسط فوضى مستمرة
رغم الاضطرابات السياسية منذ سقوط نظام القذافي في 2011، لا تزال ليبيا تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في إفريقيا، حيث يبلغ حوالي 48 مليار برميل. كانت ليبيا قادرة على إنتاج حوالي 1.65 مليون برميل يوميًا قبل الأزمة، مع خطط طموحة لرفع الإنتاج إلى 3 ملايين برميل يوميًا عبر تطبيق تقنيات استخراج متطورة.
جولة العطاءات النفطية الجديدة
في مارس 2025، أعلنت ليبيا أول جولة عطاءات تنقيب عن النفط منذ 17 عامًا، شملت 22 منطقة رئيسية في أحواض سرت ومرزق وغدامس والبحر المتوسط. جذبت هذه الجولة أكثر من 40 شركة عالمية، منها “كونوكو فيليبس” الأمريكية، و”إيني” الإيطالية، و”ريبسول” الإسبانية، ما يعكس اهتمامًا دوليًا واسعًا بفرص الاستثمار في ليبيا.
مصر: بديل استراتيجي للطاقة
في الوقت ذاته، توسعت الاستثمارات الغربية في مصر التي لم توقع اتفاقيات نفطية استراتيجية كبرى مع الصين أو روسيا. تستثمر شركات مثل “شيفرون”، و”شل”، و”بي بي”، و”توتال إنرجيز” مليارات الدولارات في حقول الغاز والنفط بمناطق البحر المتوسط ودلتا النيل، مما يجعل مصر محورًا بديلًا في استراتيجية الطاقة للغرب.
هل تعود ليبيا مستعمرة نفطية؟
في ظل هذه الديناميات المتشابكة، يبرز سؤال محوري: هل تتحول ليبيا إلى نسخة حديثة من “الاستعمار الاقتصادي”؟ فالوقائع تشير إلى إعادة إنتاج نموذج شركة الهند الشرقية بوجوه جديدة وشركات عالمية. السيطرة على النفط الليبي اليوم لا تقتصر على الاستثمار والتطوير فقط، بل تشمل نفوذًا أمنيًا وسياسيًا يعيد تشكيل المشهد الليبي بما يخدم مصالح الدول الكبرى.
لندن – اليوم ميديا