“الممر السام”: تحالف الهند وإسرائيل لخنق إيران وتركيا

في سباق الجيوبوليتيك العالمي، ظهر مشروع الممر التجاري الهندي–الإسرائيلي–الأوروبي كأكثر من مجرد ممر اقتصادي، بل كـ”حبلة سامة” تخنق رقبة الخصوم الإقليميين. وبينما يُروّج له كبديل لطريق الحرير الصيني، تتكشف خلفه خريطة جديدة من التحالفات والتوازنات، تستهدف بالأساس إيران وتركيا، وتكرّس صعود تل أبيب كلاعب تجاري واستراتيجي في قلب آسيا والبحر المتوسط.

فما الذي يدور فعلاً خلف هذا الممر؟ هل هو مشروع تنموي بريء؟ أم أنه أداة لمحاصرة الخصوم وتمكين إسرائيل من مفاتيح التجارة العالمية؟

ممر في عين العاصفة الجيوسياسية

في خضم المستجدات الإقليمية المتصاعدة، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية الإيرانية والإبادة المستمرة في غزة، يواجه الممر التجاري الهندي–الإسرائيلي–الأوروبي عقبات جيوسياسية خطيرة. المشروع الذي أُعيد إحياؤه مطلع عام 2024 برعاية أمريكية خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لواشنطن، كان يُنظر إليه كمبادرة طموحة لربط الهند بأوروبا مروراً بالإمارات والسعودية وإسرائيل، متجاوزاً إيران وتركيا ومصر.

تجاهل قناة السويس وتركيا: رسائل سياسية

لاحظت “اليوم ميديا” أن مسار الممر يتجاهل قناة السويس وتركيا وإيران، ويركز على دول الخليج ويتكامل مع مشروع قناة بن غوريون الإسرائيلية وخطط تصدير النفط والغاز الخليجي إلى أوروبا عبر ميناء حيفا. وهو ما يراه مراقبون محاولة صريحة لتهميش ممرات التجارة التقليدية، خاصة قناة السويس، ومحاصرة النفوذ التركي والإيراني، ما يكشف الطابع السياسي للمشروع قبل كونه اقتصاديًا.

الممر تحت نيران الحروب والانقسامات

كان المشروع يُروّج له باعتباره موازياً لمبادرة الحزام والطريق الصينية. لكن الحرب الإسرائيلية على إيران، والتصعيد في غزة، والتوترات الإقليمية المتزايدة، جعلت من تنفيذه شبه مستحيل. إسرائيل، اللاعب المحوري في المشروع، أصبحت أكثر عزلة نتيجة سلوكها العسكري في غزة وسوريا واليمن، ما دفع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى التريث في تنفيذ أي مشاريع استراتيجية تمر عبر الأراضي الإسرائيلية.

مشروع وُلد في التناقض

منذ الإعلان عنه في قمة G20 في نيودلهي 2023، كان الممر مثقلاً بالتناقضات: فهو مشروع تحالفي يشمل قوى متنافرة مثل الولايات المتحدة، الهند، السعودية، الإمارات، فرنسا، وإيطاليا. لكن لكل دولة أجندة متباينة: الهند تسعى لنقل تجارتها إلى أوروبا، أمريكا تهدف لاحتواء الصين وإيران، إسرائيل تطمح للرسوم والعوائد، والسعودية تسعى لتكون مركزًا لوجستيًا.

حيلة سياسية لتكريس التطبيع ودمج إسرائيل

اعتبرت واشنطن أن المشروع أداة لتسويق التطبيع العربي–الإسرائيلي، وتكريس دور إسرائيل كبوابة للمنطقة. إلا أن جرائم تل أبيب في غزة، وقصفها لإيران واليمن، حولت المشروع إلى كابوس سياسي. الرأي العام العربي بات يعتبر تسليم مفاتيح التجارة لإسرائيل بمثابة “فكرة سامة”.

تجاهل تركيا ومصر وإيران: وصفة للتفكك لا للتكامل

الممر يتجاوز تركيا ذات الموقع الاستراتيجي ومركز اللوجستيات، ويتجاهل قناة السويس الخاضعة لمصر، ويقصي إيران كلياً. وبدلاً من تعزيز التكامل الإقليمي، يعمق المشروع من الانقسامات والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

التمويل الغائب.. والشراكة الهشة

رغم تعهد مجموعة G7 بتوفير 600 مليار دولار عبر مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية، لم تتحقق هذه الوعود. السعودية وحدها أعلنت مساهمة قدرها 20 مليار دولار، وهو مبلغ ضئيل جداً مقارنة بالحجم الكلي المطلوب. أما الهند، فتعاني من تباطؤ في صادراتها ومشاكل اقتصادية تجعل مساهمتها محدودة. الأوروبيون، المثقلون بديون ما بعد أوكرانيا، لا يبدون حماسة كافية.

تناقضات الداخل الخليجي

حتى السعودية والإمارات، وهما من أبرز الداعمين للمشروع، تواجهان خلافات اقتصادية وتجارية. الرياض فرضت تعريفات جمركية على بضائع من مناطق حرة إماراتية، ما يعكس غياب التناغم داخل الممر نفسه. وتبقى معضلة وضع نظام تعريفي موحد لإنشاء ممر مشترك قائمة دون حل.

المشروع في مهب الريح

في ظل التناقضات العميقة، وتراجع الدعم الشعبي العربي، وغياب التمويل، وتصاعد الحروب، يبدو أن مشروع الممر الهندي الإسرائيلي الأوروبي يترنح. فالرهان على إسرائيل كشريك لوجستي في زمن أصبحت فيه دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، جعل من المشروع عبئًا سياسيًا أكثر من كونه فرصة اقتصادية.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى