image

عمّال إنقاذ يُخلون المباني والمنطقة التي استُهدفت بصاروخ إيراني في وسط تل أبيب (CNN) - غيتي

في سابقة خطيرة، أصبحت تل أبيب خلال الأيام الماضية هدفًا مباشرًا لصواريخ دقيقة وقادرة على اختراق أنظمة الدفاع الإسرائيلية. وبينما يحبس العالم أنفاسه، يطرح سؤال مرعب نفسه: هل تنهار المدينة الأكثر تحصينًا في الشرق الأوسط؟

تصعيد غير مسبوق

منذ فجر المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، بدا واضحًا أن الخطوط الحمراء سقطت. الصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي لأول مرة بشكل مباشر حملت رسالة قاسية: الحرب انتقلت من الوكلاء إلى الأصل.

منزل دمره صاروخ باليستي إيراني في تل أبيب – الغارديان

ورغم أن منظومتي “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” نجحتا في اعتراض جزء كبير من الصواريخ، فإن تساقط الشظايا في قلب تل أبيب، وتعطُّل مطار بن غوريون، واهتزاز الثقة بالجبهة الداخلية، كلها مؤشرات على أن معادلة الردع قد تغيّرت.

الداخل الإسرائيلي يتصدّع

داخل إسرائيل، تتعالى أصوات القلق والصدمة. يقول يوئيل بن ديفيد، الباحث في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية:

“لم نكن نتخيل أن تصل الصواريخ الإيرانية إلى هنا. لقد انهار وهم المسافة الآمنة، وتل أبيب لم تعد بعيدة عن النيران.”

الهلع الشعبي، والنزوح الجزئي من الأحياء القريبة من المقرات الأمنية والوزارات، إضافة إلى الضغط الشعبي على الحكومة، تؤشر على هشاشة غير معهودة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

إيران تغيّر قواعد الاشتباك

الهجوم الإيراني الأخير لم يكن مجرد ردّ على ضربات إسرائيلية. بل كان محاولة لإعادة رسم الخطوط الحمراء. يقول الدكتور أمير نجاد، الخبير في الشؤون الإقليمية بطهران:

“إيران قررت أن تكسر سقف الصمت الاستراتيجي. تل أبيب أصبحت هدفًا مشروعًا، وبهذا تُعاد صياغة ميزان الردع في الشرق الأوسط.”

ما تقوم به طهران هو هندسة جديدة لقواعد الاشتباك، فهي تدرك أن الردع لا يتحقق إلا إذا شعر المواطن الإسرائيلي بنفس الرعب الذي تعيشه العواصم العربية المتضررة من الضربات الإسرائيلية لسنوات.

الغرب يراقب.. ولا يتدخل

الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون سارعوا إلى تهدئة التصعيد، دون الانحياز الصريح لأي من الطرفين. يعلّق إيثان غولدبرغ، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق:

“البيت الأبيض يريد تجنّب الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، لكنه في الوقت نفسه يراقب مدى قدرة إسرائيل على إدارة الموقف دون تدخل مباشر.”

وفي السياق الأوروبي، يقول جان لوك فيردان، الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات الأمنية:

“تل أبيب لم تعد خطًا أحمر كما كانت في الماضي. أوروبا تخشى فوضى جديدة في الشرق الأوسط، لكنها غير مستعدة للانجرار خلف مواجهة أمريكية إسرائيلية غير محسوبة.”

وبينما تحشد إسرائيل دعمًا دبلوماسيًا، تبدو العواصم الأوروبية أكثر انشغالًا باحتواء تبعات النزاع على الطاقة والهجرة.

يعمل أفراد الأمن والإنقاذ في موقع الاستهداف بعد هجوم صاروخي من إيران في زافدييل بإسرائيل

الخليج يترقّب بقلق

أما دول الخليج، فتسير على حبل دقيق بين مصالحها الأمنية واعتباراتها الإقليمية. ووفق محللين خليجيين، فإن أي انهيار في تل أبيب لن يكون نصرًا لإيران فقط، بل بداية لانفلات أمني في المنطقة. ولهذا نجد العواصم الخليجية متوجسة، لكنها غير راغبة في التصعيد.

القلق الخليجي لا يرتبط فقط بارتفاع أسعار النفط أو اضطرابات الملاحة في مضيق هرمز، بل أيضًا بخوف عميق من امتداد الفوضى إلى دول الجوار، وفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الإقليمية والدولية.

تل أبيب.. هل تنهار فعلاً؟

الجواب المعقد هو: ليس بالضرورة، لكن الجدار النفسي تهشّم.
تل أبيب لن تُدمّر عسكريًا بين ليلة وضحاها، لكن هيبتها الاستراتيجية والمعنوية بدأت بالتآكل. ويقول عاموس فايسمان، ضابط استخبارات سابق في الموساد:

“المعركة الآن ليست فقط بالصواريخ، بل بالمعنويات. إذا فقد الإسرائيليون الثقة في قدرة الجيش على حمايتهم، فنحن أمام أزمة وجودية.”

ورغم استمرار سلاح الجو الإسرائيلي في الردّ بقوة على مواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق، إلا أن الضربة الصاروخية التي طالت تل أبيب مباشرة، ستبقى لحظة مفصلية في تاريخ الصراع الإيراني-الإسرائيلي.

مطار بن غوريون خالٍ من المسافرين من المصدر

الخلاصة

تل أبيب لم تعد “مدينة محصّنة” كما روّجت لها المؤسسة الأمنية لعقود. الصراع مع إيران دخل مرحلة كسر العظم، وسط صمت دولي، وقلق خليجي، وتوتّر شعبي متصاعد داخل إسرائيل. السؤال لم يعد: هل تُقصف تل أبيب؟

بل: إلى أي مدى تستطيع تل أبيب تحمّل الضغط قبل أن تنهار من الداخل؟

لندن: تحليل خاص لـ ‘اليوم ميديا